الداعية الإسلامي صفاته ومسؤولياته
قال تعالى : (( ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين )) . ان دراسة المسائل العقائدية ومواجهة الشبهات التي تثار حولها هي من اكثر البحوث العلمية شرفا وقيمة وضرورة . وفي طلالها تتم للانسان سعادته في الدنيا والاخرة واصلاح اخلاقه وسلوكه . وان كل قيمة انما تكتسب قيمتها الواقعية بالايمان والعقيدة الصحيحة وبدونها لن تكون لها قيمة وجودية اطلاقا بل انها لن تكون عبر الحياة الا سرابا خادعا ولايكون هناك مفهوم او تفسير صحيح لاصل الحياة ولا لمظاهرها . قال تعالى : ( والذين كفروا يتمتعون وياكلون كما تاكل الانعام والنار مثوى لهم ) . وفي هذه الحقيقة تكمن فلسفة خلق الانسان والسر في بعثة الانبياء عليهم السلام ونزول الكتب السماوية . ان الخطر اليوم يكمن في الافكار الالحادية الحديثة التي تعرض باساليب مختلفة وبالوان زاهية جذابة ولكنها تشترك جميعا – على وجه التقريب – في رفض الاديان السماوية وخاصة الاسلام .وعلى الدعاة والخطباء والمبلغين والمرشدين ان يبحثوا عن العلاج لهذه التيارات والاتجاهات الجديدة وان يعدوا انفسهم للجهاد العلمي في هذا الميدان الشريف ويجعلوها مهمة لا مهنة . قال تعالى في سورة المجادلة / 11 : ( ياايها الذين امنوا اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم واذا قيل لكم انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ) . وقال تعالى في سورة التوبة / 122 : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ) . وهذه الاية المباركة تبين الغاية العظمى والغرض الاقصى في النفر للتفقه في الدين وهو الانذار والتبليغ والارشاد الى ايات الله واحكام والتبليغ بقوانينه وتشريعاته المقدسة والتخويف من عذابه وعقابه والتحذير من غضبه وانتقامه جل وعلا . فعلى الدعاة ان يخلصوا في علمهم ولايعتبرونه مهنة ومع شديد الاسف الاعم الاغلب هكذا يكسبون من خلالها بعض المكاسب الدنيوية سواء كانت مادية او معنوية . بل عليهم ان يعتبرونها مهمة ورسالة وتكليف والفرق واضح بين المهنة والمهمة . ليس كما نرى ونسمع مع شديد الاسف من بعض الدعاة وعلى مستويات متعددة لاينقلون للناس الحقيقة بما هي وانما يحرفون الكلم عن مواضعه . قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ( من طلب العلم ليباهي به العلماء او يماري به السفهاء او يصرف به وجوه الناس اليه فليتبوا مقعده من النار ) وفي الحديث الشريف عن الامام امير المؤمنين عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صنف العلماء الى قسمين : ( عالم اخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارك لعلمه فهذا هالك وان اهل النار ليتاذون من ريح العالم التارك لعلمه ) . فعلى الداعي الاسلامي ان يتجنب التعصب والاهواء . تلك التعصبات والاهواء التي كانت من الاسباب الاولى لانحراف الامة بسبب الدعاة المنحرفين من قبيل وعاظ السلاطين وغيرهم . وفي عصرنا موجودين بكثير حيث يكونون تابعين الى اجهزة الدولة والسلطة من خلال قناة خاصة تسمى بوزارة الاوقاف والشؤون الدينية او وزارة الارشاد الديني الى غيرها من الاسماء والعناوين الكثيرة في بلداننا الاسلامية وكهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية التي تقوم بضرب زوار قبور ائمة البقيع صلوات الله عليهم اجمعين . فليتقوا الله حق تقاته وليخاطبوا الامة بما خاطبها القران المجيد ورسوله الكريم صلى الله عليه واله وسلم . وهناك امثلة كثيرة عندنا من ذلك ادت الى انحراف الامة عن خطها ونهجها الصحيح . واليك عزيزي القارئ الكريم نموذجا واحدا منها :-
هل تجب طاعة الحاكم الفاسق الجائر او لا ؟ -
قال ابن حنبل والشافعي ومالك : يجب الصبر عند جور الحاكم – راجع كتاب المذاهب الاسلامية للشيخ ابو زهرة ص 155 – وزحم المرجئة : ان الخروج على الحاكم المستخف بدين الله الجائر على عباد الله حرام . مستدلين بان في الخروج تفريقا لكلمة المسلمين واستبدال الخوف بالامن وبما رواه ابو بكر عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم : ( ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي الا فاذا نزلت او وقعت فمن كان له ابل فليلحق بابله ومن كان له غنم فليلحق بغنمه ومن كان له ارض فليلحق بارضه . فقال رجل : يارسول الله صلى الله عليه واله وسلم : من لم يكن له ابل ولاغنم ولا ارض ؟ قال صلى الله عليه واله وسلم: يعمد الى سيفه فيدق على حده بحجر ) . وقد جاء هذا الحديث ومااليه وتلك الاقوال وامثالها كما يشاء الحاكمون الذين وجدوا قديما وحديثا فقهاء يفتونهم بما يريدون ويضعون الاحاديث ويفسرون القران بما يصون مصالح الظالم الفاسد . ونقل ابو زهرة في ص 158 من كتاب المذاهب الاسلامية عن الصحيحين البخاري ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : ( من ولي عليه وال فراه ياتي شيئا من معصية الله فليكره ماياتي من معصية ولاينزعن يدا من طاعته ) . اما علماء الشيعة الامامية فقد جاءت اقوالهم واحاديثهم من مدرسة اهل البيت عليهم السلام على العكس تماما من ذلك . قال الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه الشيعة والحاكمون ص 26 : ( فقد تساهلوا الى
اقصى الحد مع الحاكم العادل وفضلوا غير المسلم اذا كان عادلا على المسلم اذا كان ظالما فقد اشتهر عن ابن طاووس انه قال : الكافر العادل خير من المسلم الجائر ) . وقال العلامة المجلسي في بحار الانوار : ( الملك يبقى مع الكفر ولايبقى مع الظلم ) . وجاء عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : ( من ارضى سلطانا جائرا بسخط الله خرج من دين الله ) . وقال الامام محمد الباقر عليه السلام : ( لادين لمن دان بطاعة من عصى الله ) . وقد افتى فقهاء الشيعة بان أي عمل فيه معونة لظالم بجهة من الجهات فهو حرام وكبيرة من الكبائر كما بيناه في قصة صفوان الجمال فراجع وتامل جيدا . وغيرها من الاحاديث الموضوعة مع شديد الاسف في جميع ابواب العقيدة والفقه والاحكام . وخير شاهد على ماذكرناه هو ماروي في اصول الكافي للشيخ الكليني ج 1 ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : ( الفقهاء امناء الرسل مالم يدخلوا في الدنيا . فقالوا : يارسول الله ومادخولهم في الدنيا ؟ قال صلى الله عليه واله وسلم : اتباع السلطان فاذا رايتم منهم ذلك فاحذروهم على دينكم ) .
الشيخ
جواد الخفاجي