سعيد العراقي نائب المدير
عدد الرسائل : 740 العمر : 49 الموقع : بلد الطيبين والاوÙياء (الـــــعراق)Ù… تاريخ التسجيل : 24/03/2009
| موضوع: البكالوريوس .. وسبورة التراب..كاظم شناتي الثلاثاء 16 مارس 2010, 7:20 am | |
| كان والدي رجلا فلاحا ، يسكن منطقة تبعد اكثر من عشرين كيلومترا عن اقرب مركز حضري . قريتنا لم تكن ترتبط بالعالم الخارجي بأي نوع من انواع الاتصال ، لم يكن هناك شارع معبد بالإسفلت ولا حتى شارع ترابي بمفهوم الشارع .. بل لم يكن هناك حتى مجرد طريق سالكة للمشاة ، حيث كان الطريق النيسمي الوعر والوحيد ، تكنتنفه السواقي والاراضي المزروعة او المليئة بالاشواك ونبات العاقول ، وهناك ايضا شط ابو مهيفة الذي كان يتوجب على المتجه الى الشطرة – وهي اقرب مدينة لنا – ان يعبر ابو مهيفة سباحة (صدقوني) لان القنطرة المتكونة من جذوع النخيل كانت بعيدة جدا . هذه ليست مبالغة او قصة خيالية ، فقريتنا (قرية ال خالد) التي اصبح الآن عدد بيوتها محدودا ، لم تزل في نفس المكان .. وما برحت على قطيعتها مع العالم ، وارجو ان لايذهب تفكير القارئ الكريم في مجال الشكاوى والتظلمات التي اصبحت على كل لسان في ايامنا هذه ، بسبب وبدون سبب ، فانا ووالدي وكل عائلتي نسكن المدينة منذ اكثر من اربعين عاما ، لكن الذي اريد ان الفت عنايتكم اليه .. قضية اكبر من طرق المواصلات واوسع من انشاء البنايات ، الا وهي بناء الكفاءات وتعبيد طرق العقول ومد جسور العلوم . ((مدرسة عبر الهور)) اريد ان اروي للقارئ حكاية فيها عبرة لمن اعتبر ، ووسيلة للمقارنة التي يمكن ان ترسم خارطة للطريق .. انها حكاية الرجل صاحب الارادة القوية والبصيرة الثاقبة .. حكاية الفلاح الامي الذي حدثتكم عنه في بداية الموضوع حكاية .. والدي الذي تعلم وعلمني بواسطة سبورة التراب . وما دمنا في اجواء الريف فلنتحدث بمفردات اهل الريف ، اقرب مدرسة ريفية لقريتنا كانت تبعد مسافة (شربة جكارتين) كما قال احد شيوخ القرية ، وهي وسيلة قياس الوقت التي كانوا كثيرا ما يستعملونها فيقولون (شربة جكارة) أي الوقت المستغرق لتدخين سيكارة واحدة ، لندرة الساعات وقتذاك ، وكان يفصلهم عن هذه المدرسة المبنية من الطين والقصب ، مسطح مائي ضحل يسمى (هور يوخا) لكن خالي (حاتم) سجل اسمه فيها وبدأ يمارس رحلة يومية تستغرق نهاره كله ، يخرج كل فجر مع عدد قليل من الأولاد قبل شروق الشمس ، مجتازا مصائد الشوك والعاقول بأرجله الحافية ، حتى يصل الهور فيبدأ (بالدفر) كما كانوا يسمونه أي الخوض في الهور والطين ، وحين يصل الضفة الاخرى ، يعصر ملابسه وينظف قدميه ثم يتوجه الى باب تلك المدرسة العتيدة في قرية (السادة البو هلالة ) . ((سبورة التراب)) لن اطيل عليكم .. فان خالي تعلم القراءة والكتابة ، لكن الامر المهم والذي هو ( ربّاط السالفة) ان ابو كاظم (والدي) قد تعلم ايضا القراءة والكتابة كأحسن ما يكون رغم عدم وصوله الى تلك المدرسة او غيرها مطلقا ، لقد تعلم بطريقته الخاصة انها طريقة (سبورة التراب وعود الخشب) ، حيث كان يدعو خالي (الطالب الريفي) ويلح عليه بالسؤال عما تعلمه في المدرسة وماهي الحروف وكيف تكتب وكيف يمكن قرائتها ، فكان هو والخال يستعملون التراب لوحة ً للكتابة (سبورة) واعواد الخشب (اقلاما) ليكتبوا ويمسحوا ما يشاءون حتى تعلم الوالد وأصبح مقصدا لابناء العشيرة .. لقراءة (المكاتيب) التي تردهم من الاقارب البعيدين بأيدي (الطروش) المسافرين او العائدين من السفر، كما انه أصبح ملائيا يقرأ الدعاء والزيارة في مضيف اعمامه ويقرا قصة مقتل الحسين (ع) في عاشوراء ، والشئ الملفت للنظر هو إجادته التامة لإملاء الكلمات فهو لا يخطئ في رسم الكلمة بحروفها الصحيحة ابدا ، صحيح انه يكتب بحروف كبيرة يمكن قراءتها من بُعد كيلومترات وصحيح ان حروفه تشبه اطارات السيارات ، لكنه لا يخطئ في املاء الكلمات ولا في صياغة العبارات ولا في تركيب الجمل او نقل المعنى .. والأغرب من ذلك انه علمني انا القراءة والكتابة في سن مبكرة وبنفس طريقة (عود الخشب وسبورة التراب) ، حتى انني حين ذهبت الى المدرسة بعد انتقالنا الى المدينة ، قبلت في المرحلة الثانية مباشرة لأنهم اكتشفوا انني كنت اقرا القصص بدلا من الانتباه للمعلم الذي كان يجهد نفسه في تبصيرنا ( بأن الياء مثل البطة وان الراء تشبه الهلال) . ((وظيفة شاغرة)) تذكرت هذه الحكاية قبل ايام حين ألجأتنا الحاجة الى طلب تعيين مصحح لغوي في الموقع الالكتروني الذي اعمل فيه ، وتمنيناه ان يكون بمواصفات جيدة ومهارات متعددة ، من اهمها ان يكون ضليعا باللغة العربية املاءً ونحوا وصرفا ، ومتمكنا من الطباعة الالكترونية ، وعارفا بكيفية تحديث الموقع وادخال البانات . اوصى بعضنا البعض بالبحث عن هذا (العبقري) الذي يحقق امانينا ، ويلبي مطالبنا ويريح قلوبنا من اخطاء الطباعة وشطحات الاملاء . انا شخصيا لم اعثر على ضالتي في حدود من اعرفهم ، لكن احد الإخوان تبرع مشكورا وجلب لنا هذا الشخص (الفلته) وراح يطنب في تعداد مناقبه ويغالي في وصف فضائله . فرحت قلوبنا وانفرجت اساريرنا حين اقبل علينا كغائب عزيز منتظر . وربما لسوء الحظ انني كلفت باجراء اختبار له ويا ليتهم لم يكلفوني .. فبدلا من ان اختبر معلوماته ، اختبر - هو - صبري وقوة تحملي . كان الرجل خريج كلية الآداب فرع اللغة العربية .. واكرر (كلية الآداب فرع اللغة العربية) وثيقة التخرج صحيحة وليست مزورة – تأكدنا من ذلك – لكن هذا الاختبار الرهيب كان بمثابة الصدمة (بالنسبة لي على الاقل) . أمسكت إحدى الجرائد وبدأت اقرأ له ببطء ورويّة بعد ان طلبت منه الكتابة على الحاسوب كاختبار اولي لسرعة الكتابة ، وحين قرات النص الذي امليته عليه لم اصدق بصري .. فوضعت نظارتي الطبية وأدنيت راسي من شاشة الحاسوب .. وابتسمت معتقدا انه يمازحني فسألته ببراءة - (صدك لو تتشاقة) لكنه اجابني مستغربا - (استاذ الاختبار مابيه شقه) . عجيب امور غريب قضية !! خريج كلية الآداب .. متخصص باللغة العربية ، يحمل البكالوريوس ، لا يعرف الاملاء ؟؟!! يكتب كلمة ناظم (ناضم) ويكتب رياضة المشي (رياظت المش ِ) اليكم المزيد من المهازل الاملائية فقد كتب كلمة كنتُ (كنتوا) وكتب كلمة رئيس الوزراء (رء يس الوزراء) !! تحولت ابتسامتي الى حزن عميق ، ليس لانني لم احصل على الشخص المناسب وسنضطر الى مواصلة البحث .. لكنني شعرت بهول الكارثة التي وصل اليها نظام التعليم في بلادنا وحجم الدمار الذي حصل في مؤسساتنا التعليمية نتيجة الظروف القاسية التي عاشها العراق خلال الحقبة المنصرمة من حروب وحصار وضعف المستوى ألمعاشي ، وعدم تدارك الوضع بعد حصول التغيير . تسائلت !!هل ان جامعاتنا لا زالت تخرّج طلابا بهذا المستوى ؟؟ وكيف سيكون مستوى زملاء هذا (الخريج) من كلية الطب وكلية الهندسة والصيدلة وغيرها ممن تخرجوا في نفس الفترة ؟ هل هم بنفس المستوى ؟؟!! الم يتخرجوا من نفس الجامعة ؟ (( انهيار القيم)) الامر واضح .. فحينما تصدعت قيم المجتمع وانتشرت الرشاوى والفساد الاداري والمالي ، واصبحت الشهادة الدراسية ليست هي التي تحدد قيمة الانسان وانما يحصل على مايريد بالمحسوبية والقرابة او الحزب والطائفة ، فيرتقي الجهلاء الى مناصب عليا بينما يظل اصحاب الشهادات والكفاءات العلمية في اسفل السلم الوظيفي والاجتماعي ، من المؤكد ان اهتمام الطالب والاستاذ قد انخفض بشكل حاد فيما يخص التحصيل العلمي ، واصبحت الدراسة مجرد اداء عمل روتيني واستلام راتب بالنسبة للاستاذ ، اما الطالب فقد امسى ينظر للشهادة الدراسية مجرد اجتياز مرحلة والحصول على مسمى ووسيلة للتعيين في دوائر الدولة ، يضاف الى ذلك سهولة الحصول على الشهادات الاكاديمية العليا المزورة وهو امر خطير ينذر بتدهور اكبر . انا متاكد ان الكثير من القراء سيقول (لا تعقد الامور واترك الولد ياكل خبزة) شكرا .. ربما ساعمل بنصيحتكم واقول لمن حملني الامانة (هذا خوش ولد) . وهذا الرابط لمن يريد ان يشاهد الموضوع من المصدر http://www.nasiriyah.org/nar/ifm.php?recordID=6009 | |
|
رائد الناصري عضومشارك
عدد الرسائل : 59 تاريخ التسجيل : 08/06/2009
| موضوع: رد: البكالوريوس .. وسبورة التراب..كاظم شناتي الجمعة 19 مارس 2010, 12:10 pm | |
| كل شيئ ومنذ القدم في عراقنا لأياتي بالسهل وانما بالمعاناه وماطلب المعالي بالتمنيxxx وانما تؤخذ الدنيا غلابا ولكن انا اتفق معه يوجد نسبه معينه من حملة الشهادات ولااظن هي بلدنا فقط وانما في اكثر بلدان العالم الثالث سببها التعليم انظر لمن كان (يدفر الهور) ليحصل على مايتمنى انها ارادة من يطلب العلى وان صعب الطريق ولكن هو موضوع يستحق التقدير والوقوف عنده لمعرفة لماذا اصبح التعليم في بلد اول من الأنسانيه اول حرف لماذا وصل الى مثل ماكتب صاحبنا خريج الآداب والحديث يطول | |
|