]ما هي الحكمة في تعدد زوجات النبي محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) ؟
جواب : بيانُ حكمة تعدد زوجات نبينا محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) و الدوافع التي دعته إلى تكثير زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) بحاجة إلى دراسة موضوعية تحليلية عميقة و دقيقة حتى يتمكن الباحث من خلالها التعرف على الأسباب الحقيقية لتعدد زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) ، الأمر الذي حاول من خلاله بعض المغرضين و الحاقدين على الإسلام أن يسجل على النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) ملاحظة غير واقعية محاولاً إثبات وجود رغبة جنسية جامحة لدى رسول الله كانت وراء تعدد زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) .
لكن الباحث الذي يدرس هذا الأمر بعمق و وعي سرعان ما يتضح له زيف هذا الادعاء وبطلان هذا التصور الخاطئ .
و مع أن دراسة هذا الموضوع بحاجة ـ كما قلنا ـ إلى بحث عميق و مفصل ، لكننا نحاول تسليط الضوء على النقاط الهامة و الرئيسية التي تمكن الباحث من الوصول إلى النتائج الصحيحة و الحقيقية ، أما النقاط فهي :
الاتهام الباطل :
قد يحلو لبعض المغرضين و الحاقدين : بأن يتهم الرسول الأعظم ( صلَّى الله عليه و آله ) بأنه إنما تزوج عدة نساءٍ استجابة لرغبة جنسية جامحة ، كان يعاني منها .
و لكننا ، إذا درسنا هذه الناحية بعمقٍ ووعي ، فإننا نخرج بنتيجة حاسمة تعطينا : أن هذا الكلام محض خيال زائف ، ليس له منطق يساعده ، و لا دليل يتعمد عليه ، و ذلك بملاحظة ما يلي :
1. إن حب الرجل للمرأة ، و إن كان أمراً طبيعياً ، و لقد كان النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) رجلاً إنساناً ، فطبيعي أن يميل إلى المرأة ، و يشعر بالمتعة معها ، و لكن أول ما يطالعنا في هذا المجال في حياته ( صلَّى الله عليه و آله ) ، هو أننا نلاحظ : أن أكثر زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) كنّ ثيِّبات : إما مطلقات ، أو ترمّلن من أزواجهن قبله ( صلَّى الله عليه و آله ) .
فلو كان ( صلَّى الله عليه و آله ) يهتم بأمور الجنس ، لكان باستطاعته أن يتزوج خيرة الفتيات الأبكار ، و لوجد أولياءهن يفتخرون بمصاهرته لهم ، و هو الذي حثّ و حبَّذ و أثنى على الزواج بالأبكار ، و رغّب فيه بشكل واضح و ملموس .
2. إنه ( صلَّى الله عليه و آله ) و هو في مكة بقي 25 سنة مع زوجته خديجة ، المرأة الوفية ، التي كانت تكبره سناً ، كما يقولون ، و لم يتزوج عليها في حياتها أحداً ، مع أن تعدد الزوجات كان مألوفاً لدى الناس آنئذٍ .
3. إننا نجده يرفض عرض قريش عليه التزويج بأي النساء شاء ، في مقابل أن يلين في موقفه ، و يخفف من مواجهته لآلهتهم و عقائدهم .
4. إن زوجاته ( صلَّى الله عليه و آله ) كنّ على كثرتهنّ من قبائل شتى ، لا تكاد تجد منهم اثنتين من قبيلة واحدة ، إلا من اللواتي لم يدخل بهن .
5. إن جميع زوجاته باستثناء خديجة ، إنما دخلن بيت الزوجية عنده حينما كان في المدينة المنورة ، أي بعد تجاوزه سنّ الخمسين ، و بعضهن تزوجهن ( صلَّى الله عليه و آله ) قبل وفاته بمدة قليلة .
6. إن هذا التعدد لم يشغل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) عن واجباته ، و لا أخرجه عن اتزانه ، و لا طغى على وقته ونشاطه ، و تاريخ حياته ( صلَّى الله عليه و آله ) يشهد : بأنه ( صلَّى الله عليه و آله ) لم يكن يهتم بهذه الأمور ، بل كان مثال العفاف و الطهر البالغ ، و لم يلوث نفسه بأيٍ عمل قبيح مما كانت الجاهلية تبيحه ، و تشيع في مجتمعه ممارسته ، و لم يستطع أحد من أعدائه أن يصمه بشيء من ذلك .
7. أنه ( صلَّى الله عليه و آله ) قد خير زوجاته بين الرضا بحياة التقشف معه ، و بين الطلاق والفراق ، فلو كان زواجه بهن بسبب طغيان الغريزة الجنسية لديه ، لكان يجب أن يحتفظ بهن في جميع الأحوال ، و لا يفرط بهن لمجرد حبّه لحياة التقشف و الزهد .
فهل استيقظ فيه ( صلَّى الله عليه و آله ) الشعور الجنسي في المدينة بالذات وبعد شيخوخته ، و في أواخر عمره ؟!
و هل استيقظ هذه الشعور على خصوص النساء اللواتي ترملن ؟ أو طلقهن أزواجهن ؟!
أو هل أراد حقاً أن يتذوق نساء القبائل المختلفة في الجزيرة العربية ؟!
و لماذا اختص ذلك بالعربية دون غيرها ؟!
الدوافع الحقيقية :
و بعد ما تقدم ، فإننا إذ نجيب على التساؤل حول السبب في كل ذلك ، و دوافعه ، وآثاره ، نقول :
إن زواجه ( صلَّى الله عليه و آله ) المتعدد هذا ، قد كان لدوافع سياسية ، و أحكامية ، و إنسانية ، و إنطلاقاً من مصلحة الإسلام العليا .
و توضيح ذلك قدر الإمكان يكون في ضمن النقاط التالية :
1. إن بعض موارد ذلك الزواج كانت دوافعه إنسانية بحتة ، لكون تلك المرأة قد أسلمت وهاجرت ، ثم توفي أو قتل عنها زوجها ، و لا سبيل لها إلى الرجوع إلى أهلها المشركين ، لأنها لا تستطيع أن تقاوم ضغوطهم النفسية و المادية عليها .
هذا إن لم تتعرض للتعذيب الجسدي الوحشي ، فيما لو أرادت أن تحتفظ بدينها و عقيدتها فيما بينهم ، و لم يكن معيل و لا كفيل لها في هذا المجتمع الجديد ، كما كان الحال بالنسبة لسودة بنت زمعة التي كانت مسنّة ، و يزيد عمرها على الخمسين عاماً ، و كذا الحال بالنسبة لزينب بنت خزيمة .
هذا بالإضافة إلى أن تأيمها سيطلق الألسنة و الأهواء في حقها و في اتهامها ، و يجعلها تتعرض لضغوط ، و حتى إلى إغراءات ، ربما لا تناسبها و لا تناسب موقعها و مصيرها في هذا المجتمع الغريب عنها ، هذا إن لم يؤدّ ذلك إلى أزمات نفسية ، و حتى قبلية لا مبرر لها .
فخير كافل ، و خير معين ، و حافظ و ولي لها ، هو النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه و آله ) ، إلا إذا وفق الله وتزوجها بعض خيار أصحابه ( صلَّى الله عليه و آله ) ، حين يكون ثمة من يقدم على ذلك .
2. إن زواجه ( صلَّى الله عليه و آله ) بجويرية كان لمصلحة دينية ، حيث قد نشأ عنه : ـ كما يقولون ـ أن يُطْلِقَ المسلمون مئة من أهل بيتها ، و عند دحلان مئتين من الأسرى من قبيلتها ، فأسلم من قومها خلق كثير ، على حد تعبير المؤلفين في السيرة النبوية [1] .
و لهذا وصفت بأنها كانت أكثر نسائه بركة ـ ما عدا خديجة ـ .
فهذا نوع من التأليف للناس على الإسلام ، و الترغيب فيه ، كما كان ( صلَّى الله عليه و آله ) يتألفهم بطرق أخرى كبذل المال لهم ، و تزويجهم ، و توليتهم بعض الأمور ، و غير ذلك .
بل نجد عمرو بن العاص يذكر لنا نوعاً من التأليف للقلوب لم يكن يخطر على بالنا ، يقول عمرو : " كان رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يقبل بوجهه و حديثه عليّ ، حتى ظننت أني خير القوم ... " .
ثم ذكر أنه سأل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) عن نفسه ، و فلان ، و فلان ، فأخبره : أنهم أفضل منه ، فيقول عمرو : " فلوددت أني لم أكن سألته " [2] .
3. إن زواجه بزينب بنت جحش كان لضرورة إقتضاها التشريع ، حيث إنه ( صلَّى الله عليه و آله ) كان قد تبنى زوجها زيد بن حارثة ، و كان العرب يعتقدون : أن آثار التبني هي نفس آثار البنوّة الحقيقية ، فيحلّ للمتبني ما يحلّ من ولده الحقيقي و يحرم عليه ما يحرم عليه منه ، و يرث ، و يعامل ـ تماماً ـ كالابن الحقيقي بلا فرق .
و لم يكن مجال لإقتلاع هذا المفهوم الخاطئ إلا بالإقدام على عمل أساسي لا مجال للريب ، و لا للتأويل فيه .
فكان زواج النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) من زوجة ابنه بالتبني بعد أن طلقها زيد هو الوسيلة الفضلى لقلع هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم ، و هكذا كان .
4. لقد جاء الرسول الأعظم ( صلَّى الله عليه و آله ) لهداية الناس و إرشادهم ، و لا بُدَّ لهم من الإيمان به ، و التسليم لأمره و نهيه . بل لا بُدَّ أن تكون له مكانة و محبة في نفوسهم تزيد على محبتهم لكل شيء آخر ، حتى المال ، و الولد ، و النفس ، بنص القرآن الكريم : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [3]