| مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
المشرف العام مديـــــر المنتــــــــــــدى
عدد الرسائل : 821 العمر : 56 رقم العضوية : 1 الموقع : اين ما تكون الحقيقة تاريخ التسجيل : 29/12/2008
| موضوع: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الخميس 04 يونيو 2009, 11:30 am | |
| أتخيل حياتي التي ذهبت كما غيمة شاخت وناحت وهامت علي عشب الذكريات تطرز للشيب دمع التوجع في ابتعاد البلاد ، وحزن العباد ، وأشياء أخري يسميها مالك ابن الريب :
صعلكة العولمة وشخير الدبابات والورد الذي يرتدي الشورت القصير ويكتب بلاتينية قديمة أبيات الابوذية وخطابات لينين... في اللغة أعذب الكلام ما ينطقه القلب لا اللسان. لم أجد في لساني اليوم عذوبة النطق وقد فارقت الضاد بحكم القوي وهاجرت إلي قاموس غوته أفتش فيه عن جملة أدبر في حالي أمام الجميلة موظفة دائرة الهجرة ، فيما قلبي خفت خفقان الحلم فيه بعدما ابتعدت أصابع الشوق عن ملامسة خد الموجة ودمعة العصفور ورصيف الشارع وفرن الصمون الحجري ..ما تلامسه هنا ..هو المطر اليومي وعجائز بمظلات مزركشة ، وفرقة نغماتها مصنوعة من أزمنة الفاينكغ وليس فيها شيئاً من بهجة خريف الفوانيس ومواسم حصاد القمح ونواح شهداء الحروب وشاي المقهي ... بقيت تلك الأساطير عند من ظلوا هناك يلوكون حسرة لم الشمل وعودة شاشات السينمات الصيفية والكتب المستعارة من المكتبة العامة ، هذا البقاء الذي وفر لهم مساحة قليلة من الأمل بأن يعاش العمر كما تريده أفئدة القلوب لا كما تريده الفلسفات الفجة التي تعقد بأن كاتم الصوت والخنجر الغادر والعودة إلي داحس والغبراء هما الحل المثل لصناعة مملكة تعدد الزوجات والولاية والوصاية وماعون الثريد. أولئك الذين تركتهم هناك ، الصديق والعشيقة وعابر السبيل وزميل الدائرة ومؤذن الجامع وشرطي المرور وبائعة القيمر والقهوجي وعضو قيادة الفرقة السابق وسائس عربة الخيل وبائع الصحف اليومية يعيشون أزمنتهم بقدر مركب ومرتبك نتاج ما نسميه في التداول اليومي ( سقوط النظام ) ويعني هذا انهيار الحكم السابق ومجيء المحتل ومعه الساسة الجدد الذين بشر بهم رامسفيلد ونتمني أن لايبشروا به ، لأنه كما نابليون جاء بمعادلة الرياضيات ولكن عن طريق حربة البندقية ، ولهذا تاه هؤلاء الطيبون بين القبول والرفض وساعات القطع المبرمج الذي يعانون منه من تسعينيات القرن الماضي وحتي الساعة. وفي كلا الحالتين فالمتمني لن يأتي كما المشتهي ، الذي يجيئنا دائماً ما كان يجيء قبلنا لأهل سومر وبابل وآشور ، واغلبه خيول لغزاة وحكام طغاة وشيئا من خيال جنائن معلقة وأماسي لربيع قصير كتبنا فيه الأساطير وقصائد الشعر الشعبي وبعضا من دواوين الشعر الحر وأغنيات الريف ، وغير هذا فنحن مسحورون بالهاجس الصعب والذي فيه اكتشفنا الكلمة وبسبها دفعنا الثمن غالياً منذ احتراق أور وحتي احتلال بغداد. تقع مدينة الناصرية في الجنوب العراقي ( 360 كلم جنوب العاصمة بغداد ) . بناها مدحت باشا وهدمها جنرالات الحروب والمقاولون الجدد وغبار موسم الصيف الطويل ، وبالرغم من هذا فهي واحدة من مدن الابتكار الكوني إذ تفتخر بأنها واحدة من منازل الخليقة التي آوت بحنان الرب هواجس لطفولة أكثر من ولي وقديس ونبي ، ومنهم إبراهيم الخليل الذي ولد في أور التي تبتعد بظلالها الرملي 15 كم عن المدينة ، وفي واحدة من قصباتها سطر أيوب أسطورة الصبر السومرية ، واشتغلت ذاكرة البشر علي كشوف الحضارة ، من الكتابة والنحت والفلك وحتي صناعة الإمبراطوريات.
أذرع الأفق بنيت المدينة في القرن التاسع عشر ، وبهندسة رجل بلجيكي خططها باستقامة ممتدة علي طول أذرع الأفق ، لتصير شوارعها امتداد المستقيم تحت خط العين والبصر ، هذا الخط الذي مشت عليه خواطر أبناء المدينة من المبدعين ، وكانت الحنجرة الرخيمة أول نتاج أحلامها بفضل الطبيعة الساحرة للمكان المظلل بغابات النخل الغافية علي طول نهر ضفاف الفرات الذي شق المدينة إلي نصفين . فكان القرن العشرين هو قرن التحولات للمدينة عندما أسست فيها المدارس ، واحدة للذكور وأخري للإناث ومن بين معلميها العرب واليهود والصابئة والمسيحيين ، وهذا دليل علي أن المدينة منذ بواكير وجودها حديث كانت مدينة للمواخاة والألفة بين المذاهب والأديان ، وكانت فيها محلة كبيرة لليهود وأخري اكبر للصابئة المندائيين وفيها عوائل كثيرة من أصول فارسية وتركية وكردية وهندية وحتي عوائل أوزبكية أو قوقازية كما في بيت ( علي دنبه) الواقع حتي هذه الساعة قرب صيدلية الحكمة في شارع الحبوبي وهم من سكنة المدينة منذ مطلع القرن الماضي. فيما يعد الشاعر المعروف عبد القادر الناصري رائدا للحداثة الشعرية في المدينة ومن المجيدين في كتابة الشعر وهو أصلا من عائلة كردية نزح أبوه من مدينة السليمانية وسكن الناصرية . ولدت مدينة الناصرية من عاطفة الوالي وأرجيلة المتصرف ورغبة العثمانيون في إغراق المكان لحظة التمرد والعصيان ، لهذا كان تأسيسها بمكان اقل من مستوي النهر ومناسيب فيضانه لرغبة في لجم ثورات أبناءها بثورة الماء فكان عليها أن تعاني وحتي ستينيات القرن الماضي من الفيضانات الموسمية ويتذكر أهل المدينة ، غضب أبو جداحة وليالي السداد ومواويل القمر في الليل الذي كان يحتضن سهر الأبناء علي مدينتهم .. الغريب إن أغلب الذين يخططون لتأسيس المدن يتركون يوميات التفكير بولادة المدينة منذ حفر أسس بناء أول بيت أو مبني وحتي إكمال بناء السور الذي يحميها ، لكن المهندس البلجيكي لم يترك ورقة واحدة ولم يعرف عن يومياته في المدينة وربما خططها دون أن يري المكان وبالرغم من هذا فقد منح المدينة حداثة التمدن لتكون شوارعها دون أزقة مختنقة ولها امتدادات تتسع مع الخطوة ، وبمحاذاة ضفتي الفرات أسس ب أبنية وشارعا طويل وعلي مسافة ليست ببعيدة بني دار الحكومة ( السراي ) ليأتي ناصر باشا السعدون ليضع يافطة المتصرف الأول للمدينة وليبني أول جامع فيها مازال قائماً حتي هذه الساعة ، ومن ثم نمت المدينة كما تنمو سنبلة القمح ولتعيش عمرها بين مد وجزر وليسكنها الفقراء والأغنياء علي حد سواء ولتهرع إلي ليلها الساحر بظلال النجوم أحلام الريفيين الذين ملوا من أزمنة الجفاف ورخص الغلة ليعشوا فيها عمالا إجراء ، أما موظفيها وأغنياءها وطبقتها الوسطي فلقد تعددت مذاهبهم وأصولهم بين اسر بغدادية ويهودية وفارسية وتركية وغير ذلك ، غير أن النسيج الاجتماعي في المدينة ظل يمتلك أغلبية الانتماء من أولئك الذين قدموا من ريف عشائرها المحيطة من بدور وغزي وحسينات والأزرق وغيرهم من العشائر الأخري ، فيما أسس الصابئة المندائيون والذين كانوا يسكنون مدينة سوق الشيوخ ، أسسوا لهم في المدينة محلة سكنوا فيها بمحاذاة النهر فيما أسسوا لهم في قلب المدينة سوقاً يمارسون فيه مهنتهم الأزلية في صياغة الذهب والفضة ومازال قائما حتي اليوم ويسمي سوق الصياغ الذي زحفت إلي حوانيته اليوم مهن أخري من أناس ليسوا مندائيين واغلبهم من الحدادين وبائعي المواد الإنشائية ، ولم يبق من محلات الصاغة المندائيون سوي القليل وذلك للهجرة الجماعية التي قام فيها مندائي العراق بسبب الأوضاع الأمنية السائدة وبعضهم هاجر العراق في زمن النظام السابق واغلبهم من المطاردين من الشيوعيين بعد انهيار الجبهة الوطنية منتصف السبعينيات من القرن الماضي. وكان لهم كما لبقية سكنة المدينة من مسلمين ويهود ومسيحيين دورا كبير في دفع عجلة التمصر والتحضر في المدينة عندما رفدوا المدينة بأجيال من المتمدنين واغلبهم من المعلمين الذين كان لهم الأثر الكبير في تنشئة الأجيال وخاصة في تعليم الرياضيات والقراءة الخلدونية للصف الأول الابتدائي والتي أجاد تدرسيها إجادة تامة المربي المرحوم بدري قمر ، ومثلهم برع من أهل المدينة من اليهود حيث كانوا تجارا ومعلمين وبعضهم كانوا من أوائل الذين أسسوا الفرق الرياضية ، ومن صناع الوعي السياسي الأول عندما شاركوا أبناء الطوائف الأخري في الانتماء إلي التنظيمات الاجتماعية والسياسية الأولي في المدينة ، أما بقية المنجز الحضاري علي سعته وامتداده فقد تكفل فيه أبناء الغالبية العظمي من أبناء المدينة من المسلمين حيث الجيل التربوي الأول والصناع والموظفين الحكوميين وجندرمة المدينة ومبدعيها من الشعراء والكتاب والفنانين حيث تفتخر هذه المدينة بأنها منحت ريادة الغناء العراقي الحديث جمع مؤسس للأطوار الريفية الأصيلة في حناجر مثلها الذهبي ( داخل حسن وحضيري أبو عزيز وجبار ونيسة ).. فبين الطور الشطراوي الذي ولد ببحة الجميلة وتألق في حنجرة داخل حسن وبين الطور الصبي الذي برع فيه جبار ونيسة يقف تاريخ المدينة علي قدمين متعبتين من أسي أزمنة كان سحرها وجمالها ورقتها وبالاً عليها ، فقد كانت هذه المدينة منذ بواكير البدء الحضاري لها وحتي اللحظة مانحة معطاء لما يحتاجه الوطن من جند ومناضلين ومبدعين ، وفي جمع الهواجس الثلاث نحصل علي حزمة من الدمع الذي ينبع من ذاكرة اللوح السومري ويصب في شهادة الوفاة التي تتداولها أمهاتنا في المحاكم ودوائر التقاعد وهن يتابعن مع انحناءة الظهر ولهيب الصيف معاملة أبنائهن من ضحايا الحروب الأسطورية والتي لا ولم تنته.
عدل سابقا من قبل المشرف العام في الخميس 04 يونيو 2009, 11:40 am عدل 1 مرات | |
|
| |
المشرف العام مديـــــر المنتــــــــــــدى
عدد الرسائل : 821 العمر : 56 رقم العضوية : 1 الموقع : اين ما تكون الحقيقة تاريخ التسجيل : 29/12/2008
| موضوع: رد: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الخميس 04 يونيو 2009, 11:33 am | |
| الموت الروماني يكشف السجل الأساسي لأول دفعة مجندة من أبناء المدينة أرقاما تفوق أي أرقام لمدينة عراقية أخري أثناء حملة التطوع التي قامت فيها الدولة العراقية عند تأسيس فوج المشاة موسي الكاظم في عشرينيات القرن الماضي ، وفي مطالعة للأسماء تجد أبناء الريف الملاصق للمدينة يمثل الأغلبية الساحقة ، وهؤلاء وأبنائهم تحولوا بمرور أزمنة الخدمة إلي عرفاء وجنود صف لتكتسب المدينة اللقب الشعبي المتداول بين ألوية وفرق الجيش العراقي بمدينة ( المليون عريف ). أعتقد إن هؤلاء المليون علي بساطتهم وبراءتهم وحبهم الجنوني في احتراف أنظمة الجيش وصرامتها مثلوا وجهاً وطنياً خالصاً يقع في خانة المشابهة مع الوجه الوطني القديم لجنود روما عندما تتشابه ساحات العرض وجبهات القتال مع تلك الرؤية التي كان يضعها قادة فيالق جيوش قيصر ليصير موت الروماني هو تألق لمثالية الانتماء إلي هيبة وجود مدينة هي ( روما ). اعتقد أن موت العريف في ظروف جديدة لحرب عولمية تتشابه تماما مع ذلك الموت الإسبارطي أو ذلك الذي كان جنود سومر يدفعوه ثمنا لسعادة السلالة أو الأمير أو كما يقول اللوح القديم : لكي تبقي النخلة مزهوة علي ضفافها ألفراتي وقريبة من ثمالة الإلهة وخلودها علي أن ادفع جسدي ثمناً لذلك أي كانت روح سومر طيبة أو شرهة لامتلاك أمكنة أخري ). وهكذا ترينا قوائم المتطوعين الأوائل في دائرة تجنيد الناصرية وجوها من رغبة قديمة لهاجس السيف والبندقية ليثبت فيها الإنسان وجوده من خلال هاجسين لاغير ، حماية التراب الوطني وقتل جوع المنزل وبطون الصغار الذي تركهم العريف في القرية أو زقاق المدينة حفاة ويرتجفون من البرد في انتظار حقائبه المحملة بقماش الشمال السميك وأكياس الجوز والحناء وغيرها من الهدايا التي كانت تصنع في القلوب فرحاً وبهجة واحتراماً لذلك الذي رغب ليكون متطوعاً في جيش العراق والملك والأمة العربية. ولدت الناصرية مع حلم تركي ، وانتهت اليوم مع حلم متعدد الجنسيات ، وبين الحلمين تحاول المدينة أن تغرد خارج السرب وتصنع خصوصيتها الجنوبية التي تريد فيها النأي عن تواريخ مثل تلك ، فهي تحاول حتي في أرشفة وجودها أن تذكر فقط اسم مؤسسها مدحت باشا ولا تشير إلي غير ذلك. فما يربطها بوالي والصدر الأعظم لاحقاً سوي الفرمان السلطاني ، وما تلاه كانت المدينة خاضعة لسلطة عشائر المنتفك وبقيت تحمل اسم لواء المنتفك الذي لحقت فيه أمصاره القديمة والمستحدثة كقضاء سوق الشيوخ والشطرة وقلعة سكر الجبايش والرفاعي وغيرها من النواحي والقصبات. أسس الباشا المدينة ثم نساها إلي هموم أخري حملته من منصب إلي عزل والي المؤامرات والنفي بعد أن حضي بشرف أن يكون صدرا أعظماً للحاضرة السلطانية في الأستانة لينتهي فيه الأمر منفياً في الحجاز وليكتب لزوجته الشركسية حنينه إلي أمكنة أحبها وعاش في رؤي تحديث أشواقها كما في بغداد عندما أسس خط التروماي وجلب الكهرباء واستحدث ولأول مرة في العراق نظام التجنيد الإجباري ، لكنه وكما اطلعت علي أوراقه وبعض المتناثر من تلك الذكريات واليوميات لم يأت علي ذكر المدينة التي صنعت بفرمان منه ، وربما نسي تلك البيوت المشيدة بالطين والقصب والآجر لتنمو بعد حنين وتصير رقما صعبا في ذاكرة الجيوش الانكليزية الزاحفة بجيوشها الهندية والايرلندية والاسترالية والانكليزية من البصرة صعوداً إلي بغداد وليتوقف طويلا زحفها عند البطيحة في معركة باهيزة وليكتب ضباط الحملة الكثير عن هذه المدينة التي كانت بالنسبة لهم خط المواصلات الرابط بين الكوت والبصرة وبغداد ، وربما اثر هذا التوقف الطويل في سير العمليات في هزيمة الجنرال الانكليزي طاوزند في معركة الكوت أمام جيوش الترك بقيادة الفريق خليل باشا وليخضع هو وجيوشه إلي حصار طويل انتهي باستسلامه وأخذهُ أسيراً إلي بغداد ومن ثم إلي الأستانة. ين العصملي والسير برسي كوكس المفوض السامي البريطاني تأخذ متصرفية المنتفك حظها كما باقي المدن وتفتح الناصرية أذرع التحول للحكومة الوطنية الجديدة بالرغم من الانتداب والوصاية والاستعمار المبطن. تبني فيها المدارس الجيدة بمعلميها من المسلمين واليهود والصابئة ، تبني فيها المستشفيات ، وتشيد الحدائق في وسط شارع الأسطوري ( عكد الهوي ) قبل أن يغير أسمه إلي شارع الحبوبي تيمنا بالمجاهد ألنجفي العلامة محمد سعيد الحبوبي الذي توفي في بيت العضاض في شارع الحبوبي أثناء عودته من حملة الجهاد في معركة الشعبية في ثورة 1920 الوطنية ، ولينتصب اليوم تمثاله البرونزي في ساحة في منتصف مسافة الشارع تماما تكاد تكون أهم نقطة حيوية في المدينة ، ليقف الشيخ الجليل متكأ علي عصاه وهو يقص للأزمنة الغابرة والقادمة وللأجيال قصة مدينة آوت فيه الجرح ومدته بعدد الخيل والرجال والقصائد. وربما كان ليوناردو وولي مكتشف مقبرة أور الملكية قد شاهد المراسيم الفخمة لتشيع الشهيد الحبوبي إلي مثواه الأخير في النجف ، فتنقيب وولي تكاد أن تكون معاصرة للثورة الفالة والمكوار وليكتب وولي عن مشاهداته الأولية وانطباعاته عن المدينة في الاماسي كررها لأكثر من مرة وهو يتجول في شارعها الطويل والمريح والمسمي ( عكد الهوي ) : إن المدينة التي امتدت علي طول قامتها الطينية والمسورة بالطوب الأحمر الكبير وأبواب الخشب الهائلة ، لاتنتمي إلي ألف ليلة وليلة وذلك الشرق الذي نتخيله في حكايات شهرزاد وكهرمانه وعلي بابا ، بل هي مدينة تتنفس الأشياء الجديدة بصورة من يريد أن يركب السحب ليمسك الحضارة ، ولهذا كانت سدارات الأفندية في عكد الهوي تساوي بالتمام والكمال العقال العربي ، وكانت البناطيل الإفرنجية التي يرتديها شباب المدينة تذكرني بأناقة الشباب الارستقراطي اللندني ، وغير ذلك فالمدينة عندما تشرب من الفرات بتلك الشراهة العجيبة فهي تسقي بفرح ودهشة أمكنة الأثر القديم التي تحيط فيها من كل جانب ، أور واريدو ولارسا ولكش وتل العبيد.). تختلف رؤية وولي للمدينة عن رؤية مسس بيل السيدة الانكليزية التي لعبت في التاريخ العراقي الحديث دورا يشابه دور لورنس في تاريخ الجزيرة العربية ، وكانت مشرفة علي عملية صنع الساسة العراقيون في زمن الانتداب وبعده وكذلك كان لها دورا كبيرا في الإشراف علي المكتشف من الآثار العراقية في كل مواقع التنقيب وخاصة تلك التي اكتشفت في أطلال نينوي ومقبرة أور ومدينة أوروك السومرية وغيرها من الأماكن الأثرية. فالمس جيروتد بيل تري مدن الجنوب ومنها الناصرية إنها مدنا مغبرة بفعل صيفها الطويل وفقرها وجهلها بالرغم من أن هذه المدن تجلس علي أعظم كنوز الأرض واعرق تواريخ البشرية ، إن نظرات أبناء المدن المنحدرين من أريافها القريبة تنبئ الفاهم أنهم يبحثون عن مجهول الدائم والذي لم يجدوه). بين رؤية وولي وبيل تختلف عاطفة المستعمر ويتغير استقراءه ، فهذه المدن المغبرة ومنها الناصرية ، تعرف مجهولها جيدا وظلت وعلي الدوام تحاول أن تميط عنه اللثام وتبعد عن أجفانه الغبار لكنهم لم تستطع وحتي اللحظة بسبب تراكم المفارقات التاريخية والحوادث الجسيمة والطيبة المفرطة بالتفاؤل التي تجعل ابن الناصرية يلوذ بحنجرة الابوذية ليتخلص من رغبة الانتحار مثلاً عندما تفرض عليه جبهة عبدان موتاً غير مستحق.
عدل سابقا من قبل المشرف العام في الخميس 04 يونيو 2009, 11:44 am عدل 1 مرات | |
|
| |
المشرف العام مديـــــر المنتــــــــــــدى
عدد الرسائل : 821 العمر : 56 رقم العضوية : 1 الموقع : اين ما تكون الحقيقة تاريخ التسجيل : 29/12/2008
| موضوع: رد: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الخميس 04 يونيو 2009, 11:36 am | |
| حلم المدينة في عدة مجلدات ضخمة تقبع خواطر حلم المدينة مؤرخة بحبر القلم الشيفر بأمل المؤرخ الراحل المحامي شاكر الغرباوي ، رئيس تحرير ومؤسس أول مجلة محكمة في المدينة ( مجلة البطحاء). فقد اطلعت شخصيا علي تلك المجلدات في زيارات متعددة للمؤرخ في بيته ونحن نطمئن علي مرضه العضال ، وكان كل حلمه أن يطبع تأريخ مدينة الناصرية في حياته ، وكان يعتبر المشروع هذا جنته المستحقة التي لم ينلها فحتي اغماضته الأخيرة في السنين الأولي للقرن الجديد لم تري هذه المجلدات دفء التنضيد وتري النور بالرغم من كل المناشدات لمثقفي هذه المدينة في الزمن الذي تلي الاحتلال وبعده ، وكان علي جامعة ذي قار أن تأخذ زمان المبادرة ولكنها لم تفعل ذلك حتي الساعة علي حد علمي والتي للمؤرخ الغرباوي الفضل الكبير في تأسيسها حيث لم تمل حنجرته ومرافعاته واسترحامه من الحكومة في الطلب لتأسيس هذه الجامعة ولم يجلس محافظاً علي كرسي الإدارة في المدينة إلا وكانت علي مكتبه في أول أيام ولايته مضبطة أو عريضة طلب تأسيس جامعة ذي قار كما تمني تسميتها وسميت كذلك بعد أن أسست كلية التربية كنواة لها. كما سمعت إن جمعية أبناء مدينة الناصرية من ساكني مدينة بغداد قد أعلنت رغبتها بطبع تلك الأجزاء وبمتابعة وإشراف من المحامي غالب الحاج فليح والأستاذ ستار ملا خضر ، ويبدو إن الخطوة تعثرت لأسباب نجلها. يتداخل وجه المرحوم شاكر الغرباوي مع وجوه نخب مثقفة من أبناء المدينة من مجايليه وقبلهم ، تقرا في ظلال نظراتهم رؤية المدينة لفلسفة وجودها عبر مفازات محفزة لإثبات خصوصية المكان ، فهي من أمكنة الانعطافات التاريخية الحديثة بالنسبة لهذه البلاد ،وكأنها تأخذ هذا النفس من ذاكرة أور السومرية كانت قبلها صانعة لتلك الانعطافات منذ ولادة النبي إبراهيم الخليل في واحد من بيوتها وحتي إحراقها علي يد العيلامين في زمن الملك آبي ــ سين آخر ملوك سلالة أور الثالثة. ففي الناصرية عاش ( فهد ) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي وأمينه العام الأول ، وللوزارات العراقية أعطت المدينة اثنين من رؤساء الوزارات هما المرحوم صالح جبر في العهد الفيصلي الثاني ، والسيد ناجي طالب في الزمن العارفي ، كما كان المرحوم فؤاد الركابي من مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي وأمينه العام أيام جبهة 1957. وشغل إحدي الحقائب الوزارية ، مع عدد من أبناءه الذين استوزروا في حقب الحكومات المتلاحقة ، عدا المناصب السياسية المهمة في الكثير من الأحزاب عبر تاريخ العراق الحديث. كما تفتخر المدينة بأن الكثير من عقولها الفاخرة من أساتذة واكادميين جامعيين يجلسون علي الكراسي التعليمية في الكثير من جامعات العالم، حيث يكتب لواحد من أبناء المدينة والذين يرجعون إلي أصولها أن يسمي باسمه واحدا من الكويكبات الفلكية من قبل جمعية الفلك البريطانية وهو الدكتور عبد العظيم السبتي من الطائفة المندائية ، وهو اليوم أستاذ ممارس في اختصاصه في أرقي الجامعات البريطانية. ومثله الكثير من تحتفي فيهم جامعات الغرب. وفي الجانب الفني للمدينة ريادة في الغناء العراقي الحديث ، وكان أصوات أبناءها من أول الأصوات التي صدحت في الإذاعة العراقية ، ووقف المطرب المرحوم داخل حسن جنباً إلي جنب مع مطرب المقام العراقي محمد القبنجي ليبثا علي الهواء أول الحفلات الغنائية. وفي الشعر أيضاً كانت لها ريادة في إبداع أبناءها أمثال قيس لفته مراد وعبد القادر الناصري ورشيد مجيد وغيرهم. وينعكس هذا علي بقية الفنون والإبداعات الأخري. هكذا تعيش المدينة ويتغير هاجس وجودها من حال إلي حال ، متغير يخضع لظرفية التواريخ التي تكاد أن تكون تواريخ صاخبة لأزمنة لم يهدا فيها فصل واحد من فصول الراحة التي ظل الناصري يتمناها بعيداً عن الحروب والقسر السياسي والجهل الذي يولد من تراكم ذلك القهر ومسبباته ، وبالرغم من هذا يملك الناصري ذاتاً نقية تمتلك في عراقة وعيها إلي حضارة النشيء الأول لبيوت وعوائل المدينة فيما يتراكم عليها سعال غرباء تزحف بهم ظروف ومستجدات لواقع هو في المحصلة نتاج ما حصل للبلاد جراء المسببات التي خلقت الوضع الحالي وقبله ، غرباء المدن البعيدة والريف القصي والبلاد المجاورة ، وهم اليوم يمتزجون مع نسيج المدينة ويخلقون ذائقة أخري قد يتشوه فيها بعض الرؤية والمشهد ، ولكن المدينة كحالة لخصوصية وجودها المميز تحاول أن تنأي عن مزاج الغرباء وسلوكهم لتبقي مدينة رائقة لصفاء الوعي واللحظة المدهشة.
| |
|
| |
المشرف العام مديـــــر المنتــــــــــــدى
عدد الرسائل : 821 العمر : 56 رقم العضوية : 1 الموقع : اين ما تكون الحقيقة تاريخ التسجيل : 29/12/2008
| موضوع: رد: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الخميس 04 يونيو 2009, 11:58 am | |
| [size=18]هذه مقدمة وسوف نقدم لكم المزيد من تاريخ هذه المدينة العريقة[/si | |
|
| |
عجيب غريب عضومشارك
عدد الرسائل : 57 العمر : 58 الموقع : iraq تاريخ التسجيل : 18/02/2009
| موضوع: رد: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الخميس 04 يونيو 2009, 12:40 pm | |
| موضوعك رائع والناصرية تستحق الكثير | |
|
| |
عجيب غريب عضومشارك
عدد الرسائل : 57 العمر : 58 الموقع : iraq تاريخ التسجيل : 18/02/2009
| موضوع: رد: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الإثنين 08 يونيو 2009, 10:37 am | |
| موضوعك رائع والناصرية تستحق الكثير | |
|
| |
yuosef nabel عضومشارك
عدد الرسائل : 80 العمر : 55 الموقع : a c t -aus تاريخ التسجيل : 12/04/2009
| |
| |
سعيد العراقي نائب المدير
عدد الرسائل : 740 العمر : 49 الموقع : بلد الطيبين والاوÙياء (الـــــعراق)Ù… تاريخ التسجيل : 24/03/2009
| موضوع: السلام عليكم الإثنين 08 يونيو 2009, 9:28 pm | |
| مدينة القيثاره التي تعزف اجمل الحان الحب لأهلها ولزائريها ومحبيها المدينه العريقه بعلمائها وكفأتها تستحق الكثير من ابنائها شكرا"لك اخي العزيز ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعيد | |
|
| |
m.mohamed عضوفعال
عدد الرسائل : 162 العمر : 40 الموقع : sydney australia تاريخ التسجيل : 21/04/2009
| موضوع: رد: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الثلاثاء 09 يونيو 2009, 9:26 am | |
| | |
|
| |
المشرف العام مديـــــر المنتــــــــــــدى
عدد الرسائل : 821 العمر : 56 رقم العضوية : 1 الموقع : اين ما تكون الحقيقة تاريخ التسجيل : 29/12/2008
| موضوع: رد: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الثلاثاء 09 يونيو 2009, 10:45 pm | |
| | |
|
| |
المشرف العام مديـــــر المنتــــــــــــدى
عدد الرسائل : 821 العمر : 56 رقم العضوية : 1 الموقع : اين ما تكون الحقيقة تاريخ التسجيل : 29/12/2008
| موضوع: رد: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الثلاثاء 09 يونيو 2009, 10:56 pm | |
| وتبقى الناصرية شعرة بيضاء في شارب التاريخ | |
|
| |
zaynab saleh عضو مميز
عدد الرسائل : 234 العمر : 40 الموقع : QUEENSLAND تاريخ التسجيل : 15/05/2009
| موضوع: رد: مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية الأربعاء 10 يونيو 2009, 12:25 pm | |
| | |
|
| |
| مقدمة لتاريخ مدينة الناصرية | |
|