ومع أن ممارسة الطغيان وصلة الى أوج عظمتها بعد فرعون ..فلقد أقترف الامويون جرائم وانتهاكات لاتعد ولاتحصى حيث قتلوا وحاربوا أئمة أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم ) ..وكل ذلك يقال عنه ممارسة الطغيان بدرجات متفاوتة في أجزاء متقطعة من الأمة ..
واذا اردنا معرفة أنواع الطغيان تفصيلا ,فأننا سنجد في اغتيال الرسول (ص) بالسم فقد قال تعالى :ـ قوله تعالى : إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوّل لهم وأملى لهم. ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم 13.
,وأهل بيته (ع) وما جرى عليهم من جرائم بحق الله تعالى والاسلام ..سنرى الوضوح للطغيان فاغتصاب معاوية (لعنة الله عليه ) بالسيف من أجل الهيمنة على الحكم ماهو الانتائج لطغيان وبغي للفساد في الارض ..قال تعالى :ـ {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً} 14 .
و بقول الله عز وجل: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ}15.
ولكن أين الطغات بعد فرعون ؟ لماذا لم يعتبروا من كتاب الله العزيز ؟ أنها الحماقة والجهل وعدم الايمان بالله تعالى هو الذي جعلهم لايعتبرون .
فقد قال تعالى (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً * مَنْ
أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَامَةِ وِزْراً 16 (. .
وقال تعالى : ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين 17 .
فرعون الطاغية
ووصل الأمر بفرعون إلى ادعاء الألوهية والاستخفاف بعقول الناس. ووردت قصة فرعون في سبع وعشرين سورة فضلاً عن الإشارة إليها في ثنايا بعض السور الأخرى وردت قصة فرعون في السور التالية : ( البقرة ، آل عمران ، الأعراف ، الأنفال ، يونس ، هود، إبراهيم ، الإسراء ، طه ، المؤمنون ، الشعراء ، النمل ، القصص ، العنكبوت ، ص ، غافر ، الزخرف، الدخان ، ق ، الذاريات ، القمر ، التحريم ، الحاقة ، المزمل ، النازعات ، البروج ، الفجر
من الأدلة التي تزيد المسألة وضوحا وتبسيطا، قوله تعالى عن فرعون : و قال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري18 .
فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى 19
. وهذا الادعاء ناتج عن الغرور بما أعطاه الله من الملك والمال والقوة والنعيم ، والحاشية والأتباع .
وأرسل الله تعالى النبي موسى وهارون (عليهما السلام ) الى فرعون فقد قال عز اسمه :ـ أذهبا الى فرعون أنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى .
وفي جانب أخر ورغم طغيان فرعون جاء في كتاب الله العزيز ( ذروني أقتل موسى ) الاانه لم يقتل موسى! .
وأكيد هناك تكليف رباني لموسى (ع) وعلة أخرى من عدم أقدام فرعون على القتل .
والواضح في الشرع الاسلامي أن القاتل عندما يقتل بريء بغير وجه حق فأنه ابن زنا حيث لايقدم على القتل عمدا الا من كان في ولادته شك .
وقد سئل رجلا الامام ابي عبد الله(ع) في قول فرعون ( ذروني أقتل موسى ) من كان يمنعه ؟ قال (ع) منعته رشدته , ولايقتل الانبياء وأولاد الانبياء الا أولاد الزنا .
ورغم ذلك ولطغيان فرعون أغرقه الله عزوجل .
وسئل الامام الرضا (ع) عن سبب أغراق فرعون رغم أنه أمن به وأقر بتوحيده ؟
فقال (ع) أنه أمن عند رؤية النبأس وهو غير مقبول , وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف .
قال تعالى ( فلما رأوا بأسنا قالوا أمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم أيمانهم لما رأوا بأسنا )20.
وقال تبارك وتعالى ( يوم يأتي بعض أيات ربك لاينفع نفسا ايمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا )22.
وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال ( أمنت انه لااله الاالذي امنت به بنوا اسرائيل وانا من المسلمين ) , فقيل له ( الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك أيه ) .
وقد كان فرعون من قرنه الى قدمه في الحديد , وقد لبسه على بدنه , فلما أغرق القاه الله عزوجل على فجوة من الارض ببدنه ليكون لمن بعده علامه فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الارض , وسبيل التثقيل أن يرسب ولايرتفع , فكان ذلك أيه وعلامة .
ونعود الآن الى أمر الله تعالى في الاية الكريمة ( أذهبا الى فرعون أنه طغى ...) فقد قال الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام ) في تفسيرها :ـ أما قوله تعالى ( فقولا له قولا لينا ) أي كنياه وقولا له , يا أبا مصعب , وكان أسم فرعون ابا مصعب الوليد بن مصعب ,وأما قوله (لعله يتذكر أو يخشى ) فانما قال ليكون أحرص لموسى على الذهاب , وقد علم الله عزوجل أن فرعون لايتذكر ولايخشى الا عند رؤية البأس الاتسمع الله تعالى يقول :ـ ( حتى أذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لااله الا الذي أمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين )22.
فلم يقبل الله ايمانه وقال ( الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين )23.
وكم كان يملك قارون وفرعون من أموال وجنود ؟ هل ينفعانهما ذلك قال عز من قائل :ـ
] وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ [ (24.
وماهو مصير الاتباع والجنود والتابعين والاعوان للطاغية قال الله عزوجل :ـ
] فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُم مِّنَ المَقْبُوحِينَ25 (.
فالمؤمن لا يخشى إلا الله ، ولا يخضع إلا لسلطانه ، ولا يرضى بغير الحق ، ولا
يشايع الباطل والظلم والطغيان حتى لا يرد مورد الطغاة كما حل بفرعون وقومه .
ولذلك ضرب الله لنا أمثلة رائعة من إنكار المنكر والتبرؤ من الطغيان
والطاغية والخروج عن طغيانه ، وعدم الاكتراث بما يحل بالمنكرين والمتبرئين من
أذى في الحياة ؛ لأن ما عند الله خير وأبقى .
العلاج الامثل للبغي والطغيان ..
قال تعالى :ـ إن جهنم كانت مرصاداً. للطاغين مآبا.. إن للمتقين مفازا] 26 .
من الطغيان الفردي ينشأ الطغيان الجماعي وإذا افترضنا إمكانية إقرار النظم والانضباط في المجتمع الفاسد بالقوة، فإننا لا يمكن أن نثق ببقائه، لأنه أمر مصطنع وحركة اصلاحية كاذبة لم تقم على الخصائص الروحية والتقوى الباطنية للأفراد، وقد يتعرض مثل هذا المجتمع ونظمه للتفتت والانهيار كل لحظة.
والتقوى هي الطريق للنجاة من الطغيان والبغي ..فهي حفظ النفس وحراستها من الطغيان والتمرد أي انهاعبارة عن كبح جماح الغرائز النفسية وتحديد استعمال الغرائز وإشباعها، وهي مصدر كل خير وحسن وعمل صالح، واختلالها يؤدي إلى وقوع الفساد والشر.
وقد وضع رسول الله (ص) طريقا ربانيا ..وذلك بأحد الاحاديث النبوية الشريفة عندما جائت سرية أسامة من الجهاد حيث سئل عن كلمة الجهاد الاكبر بعد الترحيب بهم وقد جائوا من الجهاد الاصغركما عبر عنه رسول الله (ص) الذي هو قتال المشركين .
وكان قصد النبي (ص) بالجهاد الاكبر هو جاهد النفس ..فقد قال تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلا ) .
وأهل البيت (ع) فصلوا مجاهدة النفس والسبل للوصول للتقوى وهي كثيرة وموجودة في الكتب الاخلاقية .
ومثل على ذلك قول الامام الصادق (ع) :ـ يأتي الشيطان فيطرق باب القلب ,فأن سمحت له بالدخول دخل ولن يخرج .وأن اغلقت الباب في وجهه ذهب ولن يعود .
ومفتاح ذلك بيد الانسان فعقله عبارة عن ساحة حرب بين جنود الله تعالى وجنود الشيطان ..
والجوء لله تعالى في كتابه الكريم وسيرة رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) أقوى سلاح في هذه الحرب الباطنية ..
وعندما يكون الانسان مع الاصل وبأرادة وعزيمة ,فأنه حتما سينتصر ويجعل عقله مملكة رحمانية لاوجود للشيطان فيها ,فسيصل للتقوى .
وتقوم أسس التقوى على معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته الجلالية والجمالية والخوف منه ورجاء لطفه،
و الاحتكام إلى العقل ومعرفته والأنس بالأحكام هاتان المعرفتان تبعثان في المرء الرغبة في اتباع العقل والشرع،
ويتوقف إصلاح المجتمع على إصلاح الفرد، ولا يمكن أن يتركب المجتمع الصالح من أفراد فاسدين، وطريق النجاح هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ..ويجب أن ينفذ بشكل جماعي
فالمجتمع السليم يصلح بتقوى الأفراد التي اتخذت الطابع العام، أو بعبارة أخرى بالتقوى الفردية المستبدلة بالتقوى الاجتماعية التي تشير إليها الخطابات العامة في القرآن: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة...).27.
وقال تعالى {إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}28.
ــــــــــــــــ
الهوامش
1. القصص: /83 .
2. القصص: .77 .
3. يوسف :111.
4. القصص: 76|77 .
5. القلم | 45|46 .
6. لسان العرب ، 15/7 9 ، طبعة دار إحياء ، بيروت .
7. القاموس المحيط ، 1684 ، ط 1 ، 1406هـ 1986م ، مؤسسة الرسالة بيروت
8. عم |22
9. النازعات |37|41 .
10. كتاب الجمهورية الفاصلة .
11. الجمهورية الفاضلة 466 .
12. جون لوك في الحكم المدني ، فقرة (521)
13. محمد : 25-26 .
14. القصص: .78 .
15. آل عمران: /115 .
16. طه : 99-100
17. يس : 60.
18. النازعات : 23-24 .
19. غافر: 29 .
20. غافر |84 .
21. الانعام |158 .
22. يونس | 90 .
23. يونس |91 .
24. القصص : 39 .
25. القصص : 40-42
26. النبأ |21|22| 31 .
27. البقرة 208 .
28. الحجرات:10 .[/b]