اللهم صل على محمد وآل محمد
كيف أنساكَ ولمْ تَزَل ذَاكِري؟!!...
" الْحَياء مِنْ الله عزّ وجلّ"
- ورد في دعاء الإمام السجاد(عليه السلام) :
"فلك الحمد على حلمك بعد علمك و على عفوك بعد قدرتك و يحملني و يجرئني على معصيتك حلمك عني و يدعوني إلى قلة الحياء سترك علي و يسرعني إلى التوثب على محارمك معرفتي بسعة رحمتك و عظيم عفوك"
تعريف الحياء:
يقول المرجع الديني السيد كاظم الحائري(دام ظله) "الحياء انقباض النفس عن القبيح خجلاً، وهو من الناس قد ينتج كتم القبيح، ولكن من الله لا يمكن أن يكون إلاّ بترك القبيح; لأنّ العالَم بأسره في محضر الله تعالى".[1]
يقول العالم الرباني آية الله الشيخ علي المشكيني(ره): "الحياء ملكة انقباض النفس عن القبيح و انزجارها عن كل فعل أو ترك تعده سيئاً".[2]
*****
إن طبيعة أي إنسان لم ينسلخ من إنسانيته أن يشعر بالحياء عند إرتكابه أموراً مشينة أمام الآخرين. بل و حتى لو لم يرتكب ما يشينه لكن الحياء يكون موجوداً بينه و بين الآخرين بدرجة من الدرجات.
- فعندما يكون هناك شخص محترم فمن الطبيعي أن الإنسان يكون على حياء منه.
- و عندما يكون هذا الشخص المحترم يغدق و يشمل هذا الإنسان بنعمه يكون الحياء منه أكثر و أكثر.
- و عندما يكون الناظر و المحترم و المنعم عالماً بأفعالي و خطرات قلبي, فإن الحياء منه يكون أكثر و أعظم و أكبر.
إن الله تعالى حاضر و ناظر و عالم
"اللَّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء".
- ألا أستحي من نظره لي؟!
- ألا أستحي من نعمه و كرمه عليَ؟!
- ألا أستحي من علمه بأفعالي؟!
- ألا أستحي من تقصيري؟!
- ألا أستحي من سوء عملي؟!
- ألا أستحي من ذكره لي و نسياني إياه؟!
"كيف أنساك ولم تزل ذاكري؟؟!!
و كيف ألهو عنك و أنت مراقبي؟؟!!"[3]
"عميت عين لا تراك عليها رقيبا!!"
- قصة:
يُحكى بأن: "رجلاً كان واقفاً بين يدي أحد الملوك, و هو يتكلم, في هذه الأثناء لدغته عقرب ، لكنه لم يتحرك من باب الحياء و الأدب! و مرة أخرى لدغته تلك العقرب حتى بلغت سبع مرات إلى أن سقط ميتاً بعد اللدغة الأخيرة!!".[4]
يقول المرجع الديني الشيخ حسين المظاهري(دام ظله): بأنه طلب من العلامة الطباطبائي(ره) نصيحة, فقال له السيد العلامة الطباطبائي(ره):
"بسم الله الرحمن الرحيم- أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى".
كانت هذه الآية فقط هي نصيحة السيد العلامة(ره), فإن من يستحضر هذه الآية المباركة و "يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى" فإن سيستحي منه رب, ولن تصدر عنه الذنوب و الآثام.
أهمية الحياء:
- عن الإمام الصادق(عليه السلام): «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة».
- وعن أحدهما(عليهما السلام) قال: «الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه».
- وعن الصادق(عليه السلام): «لا إيمان لمن لا حياء له».
- و "أن الله يحب الحييّ المعفف".[5]
- و "أنه ما كان الحياء في شيء إلا زانه".[6]
- و "أن الحياء خير كله"[7]
- و "أن من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه"[8]
خطورة فقد الحياء:
وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشهد لكون أوّل شرّ في العبد انتزاع الحياء منه[9].
فعن رسول الله: «أوّل ما ينزع الله من العبد الحياء،
فيصير ماقتاً ممقّتاً،
ثُمّ ينزع منه الأمانة،
ثُمّ ينزع منه الرحمة،
ثُمّ يخلع دين الإسلام عن عنقه،
فيصير شيطاناً لعيناً».
من أنواع الحياء :
الأول: الحياء الممدوح:
وله أنواع و مصاديق وردت في الروايات, نذكر بعضها:
1. حياء القوة:
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «الحياء على وجهين: فمنه ضعفٌ ومنه قوة وإسلام وإيمان »
يقول ولي أمر المسلمين الإمام القائد السيد الخامنئي(دام ظله) تعليقاً على هذا الحديث الشريف: "وأمّا حياء القوة: فهو أن يكون الحياء كاشفاً عن الإسلام بمعنى التسليم لله تعالى والإيمان به من قبيل الحياء الذي يعتري الإنسان عندما يواجه المحرمات الشرعيّة، ولكنّه لا يرتكب عملاً يخالف الشرع والدين. فإنّ حياءه في هذه الموارد وإن كان الحياء في نفسه حالة انفعاليّة يعتبر دليلاً كاشفاً عن قوّة النفس الإنسانيّة، وهو أمر مطلوب ومرضي عند الله تعالى".[10]
2. حياءُ عقل:
من مواعظ النّبي (صلى الله عليه وآله): «الحياء حياءان: حياءُ عقل وحياء حُمْق.
وحياء العقل العلم، وحياء الحُمْق الجهل»
يعقب ولي أمر المسلمين الإمام القائد السيد الخامنئي(دام ظله) على هذا الحديث الشريف: "حياء العقل معناه أن يشعر الإنسان بالحياء الناشئ من العقل، من قبيل الحياء عند ارتكاب المعصية أو الحياء مقابل شخص يجب احترامه. وهذا الحياء علم بمعنى أنه يتصرف تصرّف الشخص العالم".[11]
أنواع أخرى من الحياء الممدوح, عن مصباح الشريعة عن الإمام الصادق: «والحياء خمسة أنواع:
1. حياء ذنب،
2. وحياء تقصير،
3. وحياء كرامة،
4. وحياء حبّ،
5. وحياء هيبة.
ولكلُّ واحد من ذلك أهل، ولأهله مرتبة على حدة»[12]
قصة:
ينقل المرجع الديني الشيخ ناصر المكارم الشيرازي(دام ظله): إنّ شخصاً من أهل الحال كان قد تاب بعد معصية، وكان يبكي، فقيل له : لِمَ تكثر البكاء ألا تعلم بأنّ الله ـ تعالى ـ غفّار؟! قال : نعم، يمكن أن يعفو عنّي، ولكن ماذا أفعل بخجل رؤيته لي في حال المعصية ؟![13]
و ورد في الحديث عن مولانا زين العابدين(ع): أنّه حينما اخْتـَلـَتْ امرأةُ العزيزِ بيوسف(ع) قامت إلى الصنم فألقت عليه ثوباً، فقال لها يوسف(ع): ما هذا؟ فقالت: أستحي من الصنم أن يرانا، فقال لها يوسف(ع): "أتستحين مِمَّن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه ولا يأكل ولا يشرب ولا أستحي أنا ممّن خلق الإنسان وعلمه"؟![14]
الحياء المذموم
وإلى جانب الحياء الممدوح يوجد لدينا حياء مذموم: فالحياء الممدوح هو : الاستحياء من الأمر القبيح.
والحياء المذموم هو : الاستحياء من الأمر الحسن كمن يحتلم ثُمّ لا يغتسل استحياءً من أهل البيت الذين لو اغتسل لعرفوا أنّه قد احتلم مثلاً، وكمن يستحي من السؤال; لأنّه ينكشف بذلك جهله مثلاً وما إلى ذلك.
وقد ورد عدد من الروايات فيها إشارة إلى الحياء القبيح، وذلك من قبيل :
1. حياء الضعف:
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «الحياء على وجهين: فمنه ضعفٌ ومنه قوة وإسلام وإيمان »
يقول ولي أمر المسلمين الإمام القائد السيد الخامنئي(دام ظله) تعليقاً على هذا الحديث الشريف: "...فأما حياء الضعف: فالإنسان أحياناً يخجل ويستحي ويكون منشأ حياته هو ضعف شخصيّته بمعنى أنّ الإنسان بسبب عدم ثقته بنفسه، أو لأسباب أخرى يخجل ويستحي وهذا النّوع من الحياء غير مطلوب".[15]
2. حياء الحمق:
من مواعظ النّبي(صلى الله عليه وآله): «الحياء حياءان: حياءُ عقل وحياء حُمْق.
وحياء العقل العلم، وحياء الحُمْق الجهل»
يعقب الإمام القائد السيد الخامنئي(دام ظله) على هذا الحديث الشريف: "...وأما حياء الحمق فهو الجهل، كما إذا استحى من السؤال أو التعلُّم أو القيام بالعبادات ونحو ذلك (فإنّ بعض الأشخاص يستحي من القيام بالصلاة في بعض الأمكنة أو الظروف) فإن هكذا حياء يعتبر تصرفاً عن جهل".[16]
- و قد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): «من رقّ وجهه رقّ علمه». (أي: من استحيى من السؤال قل علمه)[17]
كيف يمكن أن أحافظ على الحياء؟
- في الحديث: «يا أبا ذر، أُعبد الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنّه يراك...».
- وعن عليّ بن الحسين(ع): «خفِ الله تعالى لقدرته عليك، واستحي منه لقربه منك».
- عن رسول الله(ص): «رحم الله عبداً استحيى من ربّه حقّ الحياء: فحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وذكر القبر والبلا، وذكر أنّ له في الآخرة معادا».
الشكوى من قلة الحياء:
و لأهمية الحياء في المحافظة على دين الإنسان, فإن أهل البيت(ع) يعلموننا أن نلجأ إلى الله تعالى عندما نرى آثار قلة الحياء و نشكو له:
- ورَدَ في دعاء أبي حمزة الثمالي(رضوان الله عليه) عن الإمام السجاد(عليه السلام):
"...وأنا يا رب الذي لم أستحيك في الخلاء،
ولم أراقبك في الملاء،
و أنا صاحب الدواهي العظمى،
أنا الذي على سيده اجترى،
أنا الذي عصيت جبار السماء،
أنا الذي أعطيت على المعاصي جليل الرشى،
أنا الذي حين بشرت بها خرجت إليها أسعى،
أنا الذي أمهلتني فما ارعويت،
وسترت علي فما استحييت،
وعملت بالمعاصي فتعديت، وأسقطتني من عينك فما باليت...".
للفـائده ، جَعْلنَا الله وإيِاكمْ مِنْ أكثر الْناسِ حَظاً ونَصِيباً وفِيْ جِوارهِ نَمكُث
نسألكم الدعاء
م ن ق و ل
للفائدة