لا يُقيم الحد من لله عليه حد
إِنَّ امْرَأَةً أَتَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ـ علي بن أبي طالب ـ ( عليه السَّلام ) .
فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي طَهَّرَكَ اللَّهُ ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ .
فَقَالَ : " مِمَّ أُطَهِّرُكِ " ؟
قَالَتْ : مِنَ الزِّنَا .
فَقَالَ لَهَا : " فَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ ، أَمْ غَيْرُ ذَاتِ بَعْلٍ " ؟
فَقَالَتْ : ذَاتُ بَعْلٍ .
فَقَالَ لَهَا : " فَحَاضِراً كَانَ بَعْلُكِ ، أَمْ غَائِباً " ؟
قَالَتْ : حَاضِراً .
فَقَالَ : " انْتَظِرِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ ، ثُمَّ ائْتِينِي " .
فَلَمَّا وَلَّتْ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ كَلَامَهُ .
قَالَ : " اللَّهُمَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ " .
فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ أَتَتْهُ .
فَقَالَتْ : إِنِّي وَضَعْتُ ، فَطَهِّرْنِي .
فَتَجَاهَلَ عَلَيْهَا ، وَ قَالَ لَهَا : " أُطَهِّرُكِ يَا أَمَةَ اللَّهِ مِمَّا ذَا " ؟ !
قَالَتْ : إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ ، وَ قَدْ وَضَعْتُ فَطَهِّرْنِي .
قَالَ : " وَ ذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ إِذْ فَعَلْتِ مَا فَعَلْتِ ، أَمْ غَيْرُ ذَاتِ بَعْلٍ " ؟
قَالَتْ : بَلْ ذَاتُ بَعْلٍ .
قَالَ : " وَ كَانَ بَعْلُكِ غَائِباً ، أَمْ حَاضِراً " ؟
قَالَتْ : بَلْ حَاضِراً .
قَالَ : " اذْهَبِي حَتَّى تُرْضِعِيهِ .
فَلَمَّا وَلَّتْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ كَلَامَهُ ، قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا شَهَادَتَانِ " .
فَلَمَّا أَرْضَعَتْهُ عَادَتْ إِلَيْهِ .
فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي .
فَقَالَ لَهَا : وَ ذَاتَ بَعْلٍ كُنْتِ إِذْ فَعَلْتِ مَا فَعَلْتِ ، أَمْ غَيْرَ ذَاتِ بَعْلٍ ؟
قَالَتْ : بَلْ ذَاتَ بَعْلٍ .
قَالَ : " وَ كَانَ زَوْجُكِ حَاضِراً أَمْ غَائِباً " ؟
قَالَتْ : بَلْ حَاضِراً .
قَالَ : " اذْهَبِي فَاكْفُلِيهِ حَتَّى يَعْقِلَ أَنْ يَأْكُلَ وَ يَشْرَبَ ، وَ لَا يَتَرَدَّى مِنْ سَطْحٍ ، وَ لَا يَتَهَوَّرَ فِي بِئْرٍ " .
فَانْصَرَفَتْ وَ هِيَ تَبْكِي .
فَلَمَّا وَلَّتْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ كَلَامَهُ ، قَالَ : " اللَّهُمَّ هَذِهِ ثَلَاثُ شَهَادَاتٍ " .
فَاسْتَقْبَلَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ وَ هِيَ تَبْكِي .
فَقَالَ : مَا يُبْكِيكِ ؟
قَالَتْ : أَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُطَهِّرَنِي ، فَقَالَ لِي : اكْفُلِي وَلَدَكِ حَتَّى يَأْكُلَ وَ يَشْرَبَ ، وَ لَا يَتَرَدَّى مِنْ سَطْحٍ ، وَ لَا يَتَهَوَّرَ فِي بِئْرٍ ، وَ قَدْ خِفْتُ أَنْ يُدْرِكَنِي الْمَوْتُ وَ لَمْ يُطَهِّرْنِي .
فَقَالَ لَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ : ارْجِعِي ، فَإِنِّي أَكْفُلُ وَلَدَكِ .
فَرَجَعَتْ ، فَأَخْبَرَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) بِقَوْلِ عَمْرٍو .
فَقَالَ لَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) : " لِمَ يَكْفُلُ عَمْرٌو وَلَدَكِ " ؟
قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي .
قَالَ : " وَ ذَاتَ بَعْلٍ كُنْتِ إِذْ فَعَلْتِ مَا فَعَلْتِ " ؟
قَالَتْ : نَعَمْ .
قَالَ : " وَ كَانَ بَعْلُكِ حَاضِراً أَمْ غَائِباً " ؟
قَالَتْ : بَلْ حَاضِراً .
فَرَفَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَثْبَتُّ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ ، وَ إِنَّكَ قَدْ قُلْتَ لِنَبِيِّكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِيمَا أَخْبَرْتَهُ مِنْ دِينِكَ ، يَا مُحَمَّدُ مَنْ عَطَّلَ حَدّاً مِنْ حُدُودِي فَقَدْ عَانَدَنِي وَ ضَادَّنِي فِي مُلْكِي ، اللَّهُمَّ وَ إِنِّي غَيْرُ مُعَطِّلٍ حُدُودَكَ ، وَ لَا طَالِبٍ مُضَادَّتَكَ ، وَ لَا مُعَانِدٍ لَكَ ، وَ لَا مُضَيِّعٍ أَحْكَامَكَ ، بَلْ مُطِيعٌ لَكَ مُتَّبِعٌ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ " .
فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَكْفُلَهُ لِأَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ تُحِبُّهُ ، فَأَمَّا إِذْ كَرِهْتَهُ فَلَسْتُ أَفْعَلُ .
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) : " بَعْدَ أَرْبَعِ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ! لَتَكْفُلَنَّهُ وَ أَنْتَ صَاغِرٌ .
ثُمَّ قَامَ ( عليه السَّلام ) فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : " يَا قَنْبَرُ نَادِ فِي النَّاسِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً " .
فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَتَّى غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ .
فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ إِمَامَكُمْ خَارِجٌ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ إِلَى الظَّهْرِ [1] لِيُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " .
ثُمَّ نَزَلَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَ بِالْمَرْأَةِ ، وَ خَرَجَ النَّاسُ مُتَنَكِّرِينَ مُتَلَثِّمِينَ بِعَمَائِمِهِمْ ، وَ الْحِجَارَةُ فِي أَيْدِيهِمْ وَ أَرْدِيَتِهِمْ وَ أَكْمَامِهِمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الظَّهْرِ ، فَأَمَرَ فَحُفِرَ لَهَا حَفِيرَةٌ ، ثُمَّ دَفَنَهَا فِيهَا إِلَى حَقْوَيْهَا [2] ، ثُمَّ رَكِبَ بَغْلَتَهُ وَ أَثْبَتَ رِجْلَهُ فِي غَرْزِ الرِّكَابِ ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ :
أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَهِدَ إِلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه و آله ) عَهْداً ، وَ عَهِدَ نَبِيُّهُ إِلَيَّ أَنْ لَا يُقِيمَ الْحَدَّ مَنْ لِلَّهِ عَلَيْهِ حَدٌّ ، فَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِ حَدٌّ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْهَا ، فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا " .
فَانْصَرَفَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ كُلُّهُمْ مَا خَلَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ( عليهم السلام ) ، فَأَقَامُوا عَلَيْهَا الْحَدَّ وَ مَا مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ [3] .
الهوامش
[1] لعل المقصود هو ظهر الكوفة ، أو خارج المدينة حيث يقام الحد .
[2] الحَقْو : موضع شد الإزار ، و هو الخاصرة .
[3] من لا يحضره الفقيه : 4 / 32 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران