الدليل القرآني على الرجعة
إن الأدلة القرآنية على الرجعة كثيرة، ويتفق عليها جميع المسلمين، فالمسلمون لا ينكرون الرجعة التي وقعت في الأمم السابقة، وخاصة التي ذكرها القرآن إلا إن الاختلاف وقع في ان الرجعة هل تقع في أمة محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) أم لا ؟ وسنجيب عن هذا التساؤل بعد عرض الأدلة على وقوع الرجعة من القرآن فقد ذكرنا آنفاً الآيات التي تذكر وقوع الرجعة في الأمم السالفة وأوردنا هذه الآيات، وفي ما يلي وإتماما للأدلة القرآنية سنعرض مجموعة من الآيات التي تدل على وقوع الرجعة في المستقبل:
أ- قال تعالى {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً }( ) .
إن في هذه الآية الشريفة دلالة واضحة على وقوع الرجعة، ومما لا يقبل الشك إن الحشر في يوم القيامة كما هو معروف يكون لكل الأمم والأقوام من دون استثناء، بينما هذا الحشر الذي تتحدث عنه الآية يشير إلى حشر فوج من كل أمة وليس الجميع فإن حرف (من) للتبعيض، أي يحشر البعض من كل أمة وليس كل الأمة وذلك يكون في الرجعة ومما يؤكد ذلك ما جاء في الروايات الواردة عن أهل بيت النبي (صلى الله عليهم أجمعين) .
فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن محمد الطيار عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) في قول الله عز وجل {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} فقال : (ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل )( بحار الأنوار ج53 ص40 ).
وعن أبي بصير قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): (الرجعة ؟ قلت: نعم، قال: أما يقرءون القرآن {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً}( مختصر البصائر ص126).
وجاء رجل لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: إن العامة تزعم إن قوله {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} عنى في القيامة فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : فيحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين لا ولكنه في الرجعة وأما أية القيامة {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً }( بحار الأنوار ج 53 ص53).
وعن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما يقول الناس في هذه الآية : {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} قلت : يقولون إنها في القيامة، قال: ليس كما يقولون، إن ذلك في الرجعة أيحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ؟ إنما آية القيامة قوله {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } (تفسير القمي ج1 ص36.).
ب - قال تعالى: { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا انهمْ لَا يَرْجِعُونَ } ( ).
ومعنى هذا إن كل قرية اهلك الله أهلها بالعذاب لا يحييهم الله في الرجعة أي لا يرجعهم إلى الحياة الدنيا بعد الموت رغم إنهم محضوا الكفر محضاً وذلك لأن الحكمة من الرجعة هو إنزال العذاب الدنيوي لمن محض الكفر محضاً وكذب بالله وأنبيائه ورسله، ولما كانت القرى الظالمة قد أهلكها الله بالعذاب الدنيوي ثم يعذبهم الله بعد يوم القيامة بعذاب النار فلا داعي ولا مبرر لرجعتهم إلى الحياة الدنيا بعد الموت لأن ذلك خلاف الحكمة من الرجعة .
وقد جاء في الروايات ما يؤكد هذا المعنى ففي الرواية الشريفة الواردة عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) قالا: ( كل قرية اهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة)( تفسير القمي ج1 ص25).
فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة، لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر ان الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من هلك ومن لم يهلك فقوله: (لا يرجعون) عنى في الرجعة، فأما إلى القيامة يرجعون حتى يدخلون النار(بحار الأنوار 53 ص52) .
جـ - قال تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانهمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أكثر النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ*ِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ انهمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ } ( ) .
فهذه الآية تدل على الرجعة إلى الحياة الدنيا بعد الموت لأن التبين لا يكون إلا في الدنيا .
هـ- قال تعالى {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ }( ).
ففي تفسير القمي انه سأل جابر الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) عن هذه الآية فقال :
(رحم الله جابراً فانه وصل إلى درجة ومرتبة من الفقه والعلم بحيث يعلم تأويل هذه الآية ((إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد))( بصائر الدرجات ص480).
إن الرد إلى المعاد هو الرجعة فهذه الآية دالة على الرجعة.
منقول