بعد أن أثبتنا وجود الأصنام البشرية في آخر الزمان نأتي الآن على مصاديق تلك الأصنام حيث إن أطاعة الناس في آخر الزمان لمجموعة أو فئة معينة من الناس هي التي جعلت هؤلاء كالأصنام الحجرية التي أتخذها العرب وقريش في أول الزمان لتقربهم إلى الله زلفى.
وبما ان دعوة الإمام المهدي (ع) تشبه دعوة جده الرسول محمد (ص) إذن سيلاقي ويواجه (ع) الأصنام الموجودة في عصره كما واجه جده المصطفى الأصنام الحجرية في عهده فضلاً عن الفئات التي تقوم برعاية تلك الأصنام.
وكما يعلم الجميع ان الله سبحانه وتعالى عندما يبعث الأنبياء كان لزاماً أن يُقاوَمون من قبل مجموعة من الناس بشكل خاص وتكون تلك الدعوة قد بينت ضعفهم وعجزهم عن مجارات قدرة الخالق عز وجل فضلاً عن ضرب مصالحهم الشخصية والدنيوية.
أما الرسالة الإسلامية الخاتمة فقد أزدهر في وقتها عند العرب الأدب والبلاغة والشعر، حتى أنهم كانوا يعلقون قصائد شعرائهم على جدار الكعبة احتراما وإجلالا وتعظيما لأولئك الشعراء فلذلك عندما بعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمد (ص) أيده بمعجزة القرآن الذي عجز كبار الشعراء على إن يردوا عليه أو إن يجاروه على أقل تقدير.
وبما ان الشعراء آنذاك كانوا علّية القوم وسادتها فقد كان الناس يتبعونهم ويصدقونهم بما يقولون حتى إن الله عز وجل ذكرهم في القرآن بقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ }
وبما إن الرسالة الإسلامية تقوم على شيئين هما التنزيل الظاهري الذي كان على يد الرسول محمد (ص) وفي عصره والتأويل الباطني الذي بدأ أولا على يد الإمام علي (عليه السلام) ثم الأئمة (عليهم السلام) من بعده وينتهي بالإمام المهدي (ع).
حيث ان كل إمام منهم يقوم بإظهار جزء من تأويل الرسالة أو جزء من تأويل القرآن وذلك تبعاً للظروف التي يمرون بها.
ولا يتم التأويل إلى أن يأتي الدور للأمام المهدي (ع) ليُظهر عند قيامه التأويل الباطني على حقيقته كاملاً، فقد جاء في تفسير قوله تعالى: ({ هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله} فهو من الآيات التي تأويلها بعد تنزيلها، قال: ذلك في قيام القائم (ع))( تفسير نور الثقلين ج2 ص38).
فعلى هذا الأساس يكون المقصود بالشعراء في الآية الأنفة الذكر بحسب التأويل الباطني في عهد الإمام المهدي (عليه السلام) وفي عصر الأئمة (عليهم السلام) الذين سبقوه هم فقهاء السوء الذين يشعرون قلوب الناس بالباطل(بحار الأنوار ج51 ص 46 و ص50، الكافي ج1 ص213).
فمثلما كان الشعراء هم سادة القوم في عصر الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فإن الفقهاء هم سادة القوم في عصر الإمام المهدي (عليه السلام) وفي عصر الأئمة من آبائه وأجداده (عليهم السلام).
حيث جاء في تأويل الشعراء في الآية الآنفة الذكر عن الإمام الصادق (عليه السلام ) أنه قال: ( في قوله عز وجل والشعراء يتبعهم الغاوون، قال مَن رأيتم من الشعراء يتبع، إنما عني بهذا الفقهاء، الذين يشعرون قلوب الناس بالباطل وهم الشعراء الذين يتبعون )( - مستدرك الوسائل ج17 ص310
).
وكما ورد أيضا عن حماد بن عثمان عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( في قول الله عز وجل الشعراء يتبعهم الغاوون، قال: هل رأيت شاعراً يتبعه أحد إنما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا )( بحار الأنوار ج8 ص108).
إذن فالشعراء بالتأويل هم فقهاء السوء الذين يتفقهون لغير الدين فيضلون أنفسهم ويضلون من يتبعهم بعد إشعارهم إياهم بالباطل أي بتعليمهم الباطل لان الشعراء هنا مأخوذ من الفعل شعر شعرا أي علم وحس به أو فطن له، فيقال اشعر الأمر وبالأمر أي أخبره به(المنجد ق1 ص391).
وهؤلاء الفقهاء يعدهم الناس من سادة القوم فيميلون إليهم ويتبعونهم في كل صغيرة وكبيرة من أمور دينهم ودنياهم من خلال أخذهم بآرائهم العقلية وفتاويهم ومبانيهم التي استنبطوها بعقولهم واجتهادهم الشخصي.
حيث إن أي طاعة لغيرالرسول محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين تعد عبادة من دون الله عز وجل لأنها شرك بالله كما سيأتي تفصيله.
فورد عن علي بن إبراهيم عن الإمام الصادق (عليه السلام )أنه قال: ( في تفسير قوله {والشعراء يتبعهم الغاوون}، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (نزلت في الذين وضعوا بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك ...)( وسائل الشيعة ج27 ص133).
كما ورد برواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضا انه قال: (نعم هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم فضلوا وأضلوا كثيراً، ألم ترَ إنهم في كل واد ٍ يهيمون، أي في كل من الكذب يتكلمون وفي كل لغوا يخوضون كالهائم على وجهه في كل واد يعن له فالوادي مثل لفنون الكلام ...) (تأويل الآيات ص395).
فهم بذلك يغيرون دين الله بغير علم ولا هدى ويعلمون ذلك أتباعهم الذين ينساقون وراء آرائهم فيكون الطرفين في ضلال.
ولا يقتصر أمر أضلال الناس من قبل هؤلاء الشعراء أي فقهاء السوء على أنفسهم فقط بل على من يتبعهم من الغاوون من حاشيتهم وبطانتهم وتلامذتهم، فيقومون بدورهم بإغواء الآخرين أي إضلالهم ليتبعوا هؤلاء الفقهاء فيكونون هم من الغاوين أيضاً .
فالغاوون أي المضلون، ومفردها غاوي، وهي لفظة مأخوذة من الفعل غوي غوى غواية أي ضل وخاب، فيقال أغوى الرجل أي أضله، فهؤلاء يضلون الناس كونهم لا يتبعون قول من نصبه الله عز وجل من قبله إمام وحجة على عباده، وإنما يتبعون ويصغون إلى ما يقول هؤلاء البشر العاديين من المتفقهين الذين يصدرون الإحكام في أغلب الأحيان برأيهم، وهم بطبيعة الحال ليسوا معصومين فيجوز عليهم الخطأ، لأن الشيطان يمكنه إن يضلهم بل هو من سيضلهم لقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}( ).
ومن هنا جاء تأكيد أئمة أهل البيت (عليهم السلام ) على وجوب عدم اخذ التشريعات من حلال وحرام إلا من المعصوم، أو على اقل تقدير الأخذ ممن يأخذ عنهم.
فإن مَن يأخذ دينه عنهم فسوف ينجوا ولم يزلّ أبدا عن عبادة الله عز وجل أما من يأخذ دينه من أفواه الرجال من غيرهم فإن في ذلك المهلكة والزلل الذي سيوقع الإنسان في الشرك من خلال طاعته لهؤلاء ولآرائهم والإعراض عن طاعة الله عز وجل وأحكامه وتعاليمه الصحيحة، فجاء عن الإمام علي (عليه السلام) انه قال: (مَن اخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ومن أخذ دينه عن الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل)( وسائل الشيعة ج27 ص 132).
وإذا كان لا بد من الأخذ عن الفقهاء ولا سيما ونحن في زمن غيبة إمامنا المهدي (عليه السلام)، فيجب إن يكون الأخذ برواياتهم التي أخذوها عن أهل البيت (عليهم السلام) فقط، وذلك دون الأخذ باجتهاداتهم وآرائهم الشخصية، لأنها آراء ظنية ليست قطعية قد يغذيها الشيطان من هنا أو هناك بحبائله .
حيث ورد عن الحسين بن روح عن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) حول العلماء والفقهاء والأخذ بآرائهم انه قال ( خذوا بما رووا وذروا ما رأوا )( وسائل الشيعة ج47 ص146).
ونجد حتى الإمام المهدي (عليه السلام) يؤكد على وجوب الأخذ برواية رواة أحاديثهم (عليهم السلام) وليس الأخذ باجتهاد الفقهاء الشخصي وذلك في توقيعه (عليه السلام) الذي جاء فيه: (وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم ...)( بحار الانوارج53 ص180).
وجاءت تلك المناهي من قبل أهل البيت (عليهم السلام) على عدم الأخذ بآراء الفقهاء كون آرائهم قد تؤدي إلى الزلل فضلا على إنها تعد عبادة لغير الله عز وجل.
فهم ابتداءً يعرضون عن الحق ويضلون عنه ثم أنهم يضلون من يتبعهم بالآراء التي يعطونها لهم أو من خلال عدم نهيهم عن المنكر وأمرهم بالمعروف كونهم لا يستطيعون تمييزها بسبب ضلالهم ثم أنهم يصلون إلى اخطر شيء هو الوقوف بوجه الرسل والأنبياء والأوصياء ودعاة الحق من أصحابهم كما سيأتينا والتي لا تقتصر عليه فحسب وإنما يجرون من تبعهم وأطاعهم إلى ذلك الأمر.
ومن ذلك نفهم كيف وردت عدة روايات عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) في ذم فقهاء آخر الزمان والحث على عدم إتباعهم، وبطبيعة الحال ليس المقصود بذلك كل الفقهاء وإنما فقهاء السوء منهم وذلك لان فقهاء السوء سوف يقفون بوجه الإمام المهدي (عليه السلام ) ودعوته .
حيث روي عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: (يتفقه أقوام لغير الله، وطلبا للدنيا والرئاسة، ويوجه القرآن على الأهواء ويصير الدين بالرأي...)( يوم الخلاص ص404).
وجاء في علامات آخر الزمان حول التفقه لغير الدين عدة روايات منها ما جاء عن النزال بن سبرة عن الإمام علي (عليه السلام) انه قال: (وتفقهوا لغير الدين وآثروا عمل الدنيا على الآخرة ...)( بحار الانوارج52 ص192).
وجاء عن سليمان المحمدي (رضوان الله تعالى عنه) انه قال: ( فعندما يكون أقوام يتفقهون لغير الله...ويتغنون بالقرآن ...)( تفسير القمي ج2 ص306).
وعن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: ( ألهي فمتى يكون ذلك فأوحى ألي عز وجل يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل وكثر القراء وقل العمل وكثر الفتك وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة الخونة وكثر الشعراء...)( بحار الأنوار ج72 ص276).
وقد أكد الأئمة (عليهم السلام) على الحذر من الفقهاء على الدين إذا اتبعوا السلطان لأنهم بذلك سيتابعون الظلمة والحركات المظلة وهم بدورهم سيقودون من تبعهم على ذلك الشيء معهم.
فجاء عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انه قال: (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل يا رسول الله فما دخولهم في الدنيا، قال إتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فأحذروهم ...)( مستدرك الوسائل ج13 ص124).
ويعد هذا من المواضيع الخطرة في آخر الزمان من حيث انه يمكن لهؤلاء الفقهاء أن يساندوا السلطان الحاكم الجائر ضد الإمام المهدي (عليه السلام) ودعوته ولا سيما قبل قيامه المقدس فيضيقون على الدعوة وأنصارها هذا إلى جانب حشدهم لآراء من يطيعهم ويسمع لأقوالهم أيضاً.
وقد صرحت طائفة أخرى من الروايات الواردة عن طريق أهل البيت (عليهم السلام ) تبين إن علماء آخر الزمان شر الخلق هم ومن تبعهم وأخذ برأيهم وأحبهم وجالسهم، وذلك لأنهم يغيرون شريعة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بحسب اجتهاداتهم الضالة المضلة للكثير من الناس والذين تكون أقوالهم دائماً بخلاف أفعالهم، تلك الأقوال التي تفضي بطبيعة الحال إلى عدم طاعة الله عز وجل وبالتالي الشرك في عبادته من حيث الطاعة العمياء لهؤلاء الفقهاء ومن حيث أنهم يطيعونهم ويتابعونهم ظناً منهم إن ذلك سيقربهم من الله عز وجل وأهل البيت (عليهم السلام ) والحقيقة هي عكس ذلك تماماً.
وذلك كما كانت قريش أول الزمان تعبد الأصنام الحجرية لتقربهم إلى الله زلفى فهؤلاء يعبدونهم بطاعتهم تلك الأصنام البشرية حيث ورد ذم مثل تلك التبعية والعبادة لهؤلاء الذين هم شرار الناس، ما جاء عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انه قال: (علمائهم خونة فجرة أشرار خلق الله هم وأتباعهم ومَن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبهم ويجالسهم ويشاورهم، فقهائهم خونة يدّعون أنهم على سنتي ومنهاجي وشرائعي ...أنهم مني براء وأنا منهم بريء )( - يوم الخلاص ص405).
وورد عنه أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انه قال: (ويل لأمتي من علماء السوء الذين يقولون ما لا يفعلون ...)( يوم الخلاص ص404).
إذن علينا كمسلمين موالين نعيش في عصر ظهور وقيام الإمام المهدي (عليه السلام) إن نحذر من فقهاء السوء الذين سيعادون الإمام المهدي (عليه السلام) ويقومون بمحاربته حتى لا ننساق خلفهم لأن طاعتهم العمياء ستؤدي بالناس إلى الخروج على طاعة إمام زمانهم وهذه هي الصنمية بعينها .