قال أحمد شوقي عندما يعبير عن مشاعره الوطنية ..
وطني لو شغلت بالخلد عنه .. نازعتني اليه في الخلد نفسي
المبادىء المهمة للمواطن في الوطن ..
1. الكرامة المحضية بالاحترام :ـ عندما تحترم الجماعة المواطن ويبادلهم نفس الاحترام يكون ذلك سبباً في انشداده إلى تراب وطنه ويعمق إحساسه بالانتماء إليه والولاء للجماعة فيه ..وأما اذا تصادرة كرامة المواطن ولايستطيع الدفاع عن حرياتهم الاساسية فحينئذ سيكونوا مهانين أذلاء في وطنهم وستكون النتيجة طلبهم كلجوء للبحث عن الحرية والكرامة في بلاد اخرى وطبيعة الانسان الحر أن لايرضى لنفسه الذلة والضعف وأن تصادر كرامته، إنما ينشد إلى وطنه، حينما تتوفر له الكرامة فيه، واحترام الآخرين له
قال تعالى :ـ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 15
2. الحفاظ على أمن المواطن ..قال رسول الله (ص) :ـ (لا خير.. في الوطن إلا مع الأمن والسرور). 16. .
وقال الامام علي (ع) :ـ (شر الأوطان ما لم يأمن فيه القطان) 17.
ولكي يعمق و يشتد حب المواطن لوطنه لابد من الامن والمحافظة على نفسه وماله وعرضه .وخير مثال دعاء الامام زين العابدين (ع) (اللهم واعطني السعة في الرزق والأمن في الوطن) 18.
3. اكتفاء المواطن من ناحية اقتصادية :ـ ومن واجبات المواطن أن يقدم لوطنه مايلزم من تقدم وعمران ..وكيف يكون ذلك ..ولم يوفر للمواطن سد احتياجاته ومتطلباته والمفروض أن تتوفر له كفاية المعاش في بلاده .
وقد قال الامام زين العابدين (ع) :ـ (من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده) 19.
والمواطن حينما يفتقد ذلك في بلاده لأسباب مختلفة فهو إما أن يعيش الفقر والحاجة، وإما أن يغادر وطنه بحثاً عن لقمة العيش ومتطلبات الحياة..
يقول الإمام علي (عليه السلام): (المقل غريب في بلدته) 20.
وقال (عليه السلام): (الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة) 21.
وقد نقل لنا القرأن الكريم دعوة ابراهيم (ع) لمكة كمثال فقد جاء بكتابه العزيز (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) 22.
4. تمتع المواطن بحرياته العقائدية :ـ
وحريات العقائد لكل مواطن أمر طبيعي في كل وطن ..وعندما يريد أن يعبر المواطن عن حريته في التفكير لايقيد بضوابط في وطنه تسوقه الى السجون والحرب المعاشية بل هذا من حق المواطن بشرط أن لايستخدم الظلم والسلاح بكافة انواعه للدفاع عن ارائه تجاه عقيدته أو طائفته ..وللقارىء من أي طائفة كان أن ينقد أو يؤيد الاراء المطروحه لااشكال في ذلك ..ولكن بأسلوب حضاري أنساني ..وهكذا ترى الوطن يزدهر وتكون ورشات متعدده فيه تصنع الافكار وتقدمها وتنتج مصانع .
وأماأن احارب من يطرح أفكاره أو يكتب رأيه ..فهذا ليس بناء وطن بل هدم وحقد يكون أمده طويل ونتائجه وخيمة وويلات للوطن .
ويندد الله تعالى بالمتسلطين الكافرين الذين يُلجئون المؤمنين المواطنين إلى ترك أوطانهم لا لشيء إلا لتميزهم العقيدي والديني فاختلاف العقيدة والدين لا يبرر الحرمان من الوطن ومصادرة حق الإنسان في العيش في وطنه.
فقوم نبي الله لوط (عليه السلام) توعدوه والمؤمنين به بأن يخرجوهم من بلادهم نكاية بهم لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله وخالفوا السلوك المنحرف الشاذ لقومهم: { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } 23.
{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) 24.
ونبي الله شعيب (عليه السلام) كذلك شهر أمامه المتسلطون سلاح الإبعاد عن الوطن لإخضاعه لآرائهم الفاسدة بالإكراه { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } 25.
ويبدوا أن هذا هو منهج جميع المتسلطين الكافرين تجاه الأنبياء والمؤمنين يقول تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } 27.
وهنا يشرع الإسلام الجهاد والقتال للإنسان دفاعاً عن هذا الحق الطبيعي: حق العيش في الوطن، ويدعو إلى إعلان الحرب على المتسلطين الذين يحرمون المواطنين الأبرياء من نعمة الحياة في بلادهم وديارهم.
يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا } .
ويقول تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } 28.
من واجبات المواطن الدفاع عن وطنه ..
قال امير المؤمنين (ع) في المتخاذلين عن الدفاع من اجل الوطن :ـ أي دار بعد داركم تمنعون 29.
وقال (ع) :ـ فوالله ما غزي نهج قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا 30.
ونرى بعد أن زرع وغرس حب الوطن في قلوب ابنائه نتيجة أهتمام الوطن بهم وتوفير مايلزم فمن واجب المواطن أن يدافع عن وطنه في أي حالة اعتداء أو هجوم عليه ..واذا لم يدافع ابن الوطن فمن ذا الذي سيدافع !
المواطنون يشتركون جميعا في الوطن .
هناك مشتركين معنا في الوطن ,فمن المستحيل أن يكون[وحيدا فريدا لوحده في الوطن . ويتجمع معنا اخرين في ظلال الوطن فهم يحبون الوطن كما نحب الوطن ..ولهم حقوق كما لنا حقوق ..والقاسم المشترك بيننا وبينهم هو الوطن , فالاشتراك معهم في العيش على أرض واحدة ووطن واحد، يوجد علاقة معينة، وارتباطاً إنسانياً لا بد منه، مع اختلاف العقيدة والدين .
فالازم أن يكون شعورنا واحداً تجاه من يشتركون معنا في وطن واحد ذلك من شأنه أن يرفع عزة وطننا .
ونرى في صحيفة المدينة التي تذكرها السير والتاريخ والمروية عن رسول الله (ص) عندما هاجر الى المدينة وكان يقيم المجتمع الاسلامي .وهي تتحدث عن العلاقات بين المسلمين ومع اليهود المقيمين في حينها داخل المدينة ..
قال ابن اسحاق: وكتب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتاباً بين المهاجرين
والأنصار، وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم:
((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس... وانه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم... وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جُشَم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته... وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم...)) 31.
وفي أحد المرات كان خادم صبي لابن عباس ذبح شاة، فقال له ابن عباس: إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي.
ثم كررها حتى قال له الخادم الصبي: كم تقول هذا؟ فقال: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل يوصينا بالجار، حتى خشينا أنه سيورثه.
ونلاحظ أن ابن عباس كان يجاور يهوديا ..ويراعي فيه حرمة الجوار
و أن الإسلام لا يفرق في مكارم الأخلاق والحقوق الاجتماعية بين مسلم وأي مخالف آخر فالكل في نظره سواء 32.
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعشها ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ".33.
فالوطن للجميع، المصالح واحدة، والخطر مشترك، والوطن كالسفينة الواحدة التي إذا تعرض لخطر فالخطر على الجميع والنجاة للجميع .
كيفية تنمية حب الوطن والولاء اليه :ـ