شرح المناجاة الشعبانية للامام امير المؤمنين عليه السلام – الحلقة الثالثة( 3 )
بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه اجمعين محمد الرسول الامين واله المنتجبين الطاهرين لاسيما بقية الله في ارضه وحجته على عباده الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين - اللهم وفقنا وسائر العاملين والمشتغلين للعلم والعمل الصالحين يارب العالمين .
اما بعد :-
هذه سلسلة شرح (المناجاة الشعبانية للامام امير المؤمنين عليه السلام) -
ملاحظة : ان العبارات التي بين الاقواس هي نصوص المناجاة الشريفة :-
4 ) – الفقرة الرابعة : (( واسمع ندائي اذا ناديتك )) :-
كما لاحظنا مما سبق عزيزي القارئ والمتتبع الكريم طلب من الامام امير المؤمنين عليه السلام من الخالق جل شانه بان يسمع دعاءه وبينا ذلك بنوع من التفصيل . ولكننا نقرا في هذه الفقرة الشريفة جاء الطلب بصيغة طلب سماع النداء منه عليه السلام فما معنى ذلك ؟- فهل هو مجرد الحاح وتكرار ؟ ام لا هناك فرق بين الدعاء والنداء ؟ ام لا هذا ولا ذاك وانما شئ اخر ؟ -
- والجواب على ذلك :-
ويحتمل على عدة اطروحات محتملة وهي :-
1- الاطروحة الاولى : فهمنا مما تقدم في الفقرة الاولى من الدعاء والمناجاة الشريفة بان النداء – موجود في صدر الفقرة – حيث قلنا بان سيبويه قال معنى – اللهم – أي بمعنى " ياالله " وتبعه في ذلك الخليل والفراء فعلى ذلك نفهم ان النداء الذي دلت عليه ياء النداء موجود في بداية منطوق المناجاة . واما في هذه الفقرة فهو تاكيد والحاح من الامام امير المؤمنين عليه السلام بدوام النداء لمولاه تبارك وتعالى . وهذا امر مندوب ندب اليه الائمة عليهم السلام ، منها ماورد في مواهب الرحمن ج 3 ص 59 عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : " ان الدعاء يرد القضاء المبرم وقد ابرم ابراما فاكثر من الدعاء فانه مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة ولاينال ماعند الله الا بالدعاء فانه ليس من باب يكثر قرعه الا اوشك ان يفتح لصاحبه " – وكثرة القرع هنا اشارة او مثال على ندب الالحاح في الدعاء .
2- الاطروحة الثانية : اذا ما سلمنا بصحة الاطروحة الاولى واتفاقها مع قول الامام الصادق عليه السلام فحينئذ نفهم من ذلك ان الدعاء هو الطلب والمضمون ونوع الحاجة المدعو لها وهو عادة عند الانسان بطريق النطق و اللسان المؤديان الى ظهور صوت من الداعي يبين من خلاله نوع دعائه . فينتج من ذلك كله ان الدعاء هو الطلب وان النداء هو صوت الطالب فيكون السياق طلب حاجة مع الحاح في النداء والكلام وكلاهما مكمل للاخر . والله سبحانه وتعالى يحب ان يسمع صوت عبده دائما كما بيناه سابقا . لذلك نجد الامام الصادق عليه السلام شبه هذا النداء بالقرع – أي طرق الباب – قرع – يقرع – قرعا – أي – طرق – يطرق – طرقا . واذا لاحظنا ذلك نجد ان الدعاء والنداء يدلان على العبودية والعبادة التي هي بمعنى التذلل والخضوع لله تبارك وتعالى .
5 ) – الفقرة الخامسة : (( واقبل علي اذا ناجيتك )) :-
تدرج رائع وعذب من الامام امير المؤمنين عليه السلام في التوصل الى الله سبحانه وتعالى يريد من خلاله ان يعلمنا كيف تكون علاقتنا مع الله جل جلاله لتصل بالتالي الى معرفته تبارك وتعالى الحقيقية . ويمكن ان يتصور نوعان لمعرفة الله تعالى وهما :-
1- المعرفة الحضورية :-
وهي تعني – ان يتعرف الانسان على الله سبحانه من طريق نوع من الشهود الباطني والقلبي والتي من الممكن ان نسميها بالمعرفة الفطرية – أي – ان الانسان بالفطرة يعرف الله تعالى حيث يمكن ان يقال باختصار شديد : " ان معرفة الله تعالى الفطرية هي تعني ان قلب الانسان يعرف الله سبحانه وان في عمق روحه توجد امكانيات وبذور المعرفة الشعورية به جل جلاله بحيث تصلح للنمو والاشتداد " –
2- المعرفة الحصولية :-
وهي تعني – ان يتوصل الانسان الى معرفة الله سبحانه وتعالى من خلال المفاهيم الكلية امثال " الخالق – الغني – العالم بكل شئ – والقادر على كل شئ " . ومايحصل بالمباشرة من البحوث العقلية ومعطيات البراهين الفلسفية – هو هذا العلم الحصولي – ولكن حين يتوفر ذهن الانسان على هذه المعرفة الحصولية يمكنه ان يتوصل من خلالها الى المعرفة الحضورية الشعورية الواعية . وهذه المعرفة والشعور الواعي والفطري هو مايريده الائمة عليهم السلام وبضمنهم الامام امير المؤمنين عليه افضل الصلاة والسلام . والمناجاة هي دلالة على القرب الالهي والروحي . حيث ورد في اسباب نزول قوله تعالى : " واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان " – مايلي :-
1- عن ابن عباس : قال : قالت اليهود كيف يسمع ربنا دعاءنا وانت تزعم ان بيننا وبين السماء – 500 – عام وغلظ كل سماء مثل ذلك ؟ - فنزلت هذه الاية الشريفة .
2- وروي : ان قوما قالوا للنبي صلى الله عليه واله وسلم : قريب ربنا فنناجيه ام بعيد فنناديه ؟ فنزلت هذه الاية .
3- وروي : ان النبي صلى الله عليه واله وسلم سمع المسلمين يدعون الله بصوت رفيع في غزوة خيبر فقال لهم النبي صلى الله عليه واله وسلم : " ايها الناس اربعوا على انفسكم ( أي بمعنى ارفقوا بانفسكم ) فانكم لاتدعون اصما ولا غائبا انكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم " – عزيزي القارئ الكريم راجع هذه الروايات والاراء الثلاثة في كتاب مواهب الرحمن ج 3 وكتاب امالي المرتضى ج 1 ص 603 –
والبقية تاتي ان شاء الله تعالى ان بقيت الحياة والحمد لله رب العالمين
الشيخ
جواد الخفاجي