شرح المناجاة الشعبانية للامام امير المؤمنين عليه السلام – الحلقة الرابعة ( 4 )
بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه اجمعين محمد الرسول الامين واله المنتجبين الطاهرين لاسيما بقية الله في ارضه وحجته على عباده الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين - اللهم وفقنا وسائر العاملين والمشتغلين للعلم والعمل الصالحين يارب العالمين .
اما بعد :-
هذه سلسلة شرح (المناجاة الشعبانية للامام امير المؤمنين عليه السلام) -
ملاحظة : ان العبارات التي بين الاقواس هي نصوص المناجاة الشريفة :-
6 ) – الفقرة السادسة : (( فقد هربت اليك ووقفت بين يديك )) :-
وهي تعبير عن اللجوء الى الله سبحانه فهو المنقذ اذ لايتحقق الهروب الا بوجود اسبابه وهي – الخوف – اما ان يكون دنيويا – أي – من المكاره والابتلاءات والبلايا الدنيوية واما ان يكون اخرويا – أي – الخوف من العاقبة الاخروية من شديد العقاب واليم العذاب . وعليه يمكننا الكلام حول هذا الموضوع على عدة مستويات هي :-
1- المستوى الاول :- في الخوف الدنيوي :
وينبغي في ذلك معرفة الامور التالية :-
ا – ماهي العلاقة بين الدنيا والاخرة ؟ -
ب- وكيف تكون المقارنة بين الدنيا والاخرة ؟ -
ويمكن الجواب على كلا الامرين تحاشيا للاطالة ضمن النقاط التالية :-
1) – النقطة الاولى : نلاحظ وجود شواهد عديدة في الروايات الشريفة والايات القرانية الكريمة تدل على ان لافعال الانسان الاختيارية صورا ملكوتية مختلفة تظهر في عالم البرزخ والقيامة .
2) – النقطة الثانية : ان مسرات الدنيا ونعمها مشوبة ومختلطة بالمتاعب والمشاق .
3) – النقطة الثالثة : ان الحياة الدنيوية مقدمة للاخرة ووسيلة لاكتساب السعادة الابدية وان الحياة الاخروية هي الحياة النهائية الاصيلة . وما دمنا عرفنا ذلك فانه يمكن الهروب من مكاره الدنيا ومشاقها بالصبر وعدم الانجراف وراءها واللجوء الى الله تعالى كما ورد في المناجاة الشريفة .
2-المستوى الثاني :- في الخوف الاخروي :-
وهو ياتي من احساس الانسان الفطري انه مقصر امام الله تعالى وهذا امر جيد ومحبوب ومندوب فنراه حتى اذا كان الانسان صالحا يخاف من الاخرة نتيجة لهذا الشعور الفطري . واما العاصي والعياذ بالله فانه يكون نادما و خائفا من الاخرة نتيجة لاعماله السيئة التي كان يرتكبها في حياته الدنيوية . فمن ذلك ينتج لدينا ضرورة اهتمام العبد بما يقربه الى الله تعالى حتى يكون في هروبه اليه تعالى حاملا بعض القربات اليه جل وعلا من خلال النقاط التالية :-
1- النقطة الاولى : -
لمعرفة الهدف النهائي للحياة للحياة دور اساسي في توجيه النشاطات واختيار الاعمال وتعيينها . وفي الواقع ان العامل الرئيس في تحديد طريقة الحياة ومسيرتها يكمن في نوع نظرة الانسان ورؤيته ومعرفته بحقيقته وكماله وسعادته . ومن يعتقد ان حقيقته ليست الا مجموعة من العناصر المادية الضعيفة ويرى حياته محددة بهذه الايام القليلة ولايعرف لذة او سعادة او كمالا اخر وراء هذه المنافع والمكاسب المرتبطة بهذه الحياة فانه سوف ينظم اعماله وسلوكه بما يشبع حاجاته الدنيوية . واما الذي يؤمن بان حقيقته اوسع وابعد من الظواهر المادية ولايرى في الموت نهاية الحياة بل يراه منعطفا ينتقل من خلاله الى عالم خالد باق وان اعماله الصالحة وسيلة للوصول لسعادته وكماله الابديين فانه سوف يخطط وينسق نظام حياته بطريقة تكون معها اكثر عطاءا وافضل تاثيرا على حياته المؤبدة .
2- النقطة الثانية :-
شخص مثل هذا فان المتاعب والاخطاء والخسائر التي يواجهها في حياته الدنيوية لاتثبط عزيمته ولاتبعث فيه الياس والقنوط ولاتمنعه من مواصلة جهوده ونشاطاته في سبيل ممارسة وظائفه وبلوغ السعادة والكمال الابديين
3- النقطة الثالثة :-
لابد من الاعتراف بان النعم او العذاب الاخروي هي انما تكون ثوابا او عقابا على الاعمال الصالحة والطالحة التي تصدر في هذا العالم . اذن نستطيع ان نقول : " ان الخوف هو – الذعر والفزع – وهي حالة الالم والرعب الحاصلة في النفس الباطنة من امارة تقتضي توقع مكروه يرد عليه في المستقبل المنظور قريبا ام بعيدا " . قال تعالى في سورة النازعات / 40 : " واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي الماوى " – وجاء في السنة النبوية المطهرة احاديث كثيرة حول هذا الموضوع نذكر بعضا منها :-
1- قال صلى الله عليه واله وسلم : " راس الحكمة مخافة الله "
2- قال صلى الله عليه واله وسلم : " من خاف الله اخاف الله منه كل شئ ومن لم يخف الله اخافه الله من كل شئ " .
-اذن في هذه الفقرة من المناجاة الشريفة يبين لنا الامام امير المؤمنين عليه السلام بان الانسان خلقه الله تعالى ومرجعه الى الله سبحانه فهو المبدئ وهو المعيد . ولايمكن لاح دان يجد منقذا وملجا مهما كان قريبا منه سواء اكان ابا او اما او اخا او زعيما او عشيرة له . كل ذلك لاينجيه فكما ورد : " منه المهرب واليه المهرب " .
عزيزي القارئ الكريم : بقيت في الموضوع نقطة مهمة جدا وهي قوله عليه السلام في فقرة المناجاة الشريفة " ووقفت بين يديك " – حيث نلاحظ لاول وهلة وحسب الظاهر وجود يدين عند الله جل جلاله فهل هذا الظاهر هو الحقيقة لهذا المعنى ام ان هناك نكتة ومعنى باطني في الموضوع يكون حقيقة للمعنى المراد ؟ -
وللجواب على ذلك :-
وقبل الجواب عليه اود اعلام القارئ الكريم بان الجواب الذي سنذكره هو مختصر جدا واذا اراد البحث والتفصيل عليه مراجعة كتاب مفاهيم القران ج 1 للشيخ جعفر السبحاني . ونستطيع ان نوجز الجواب ضمن النقاط التالية :-
1- اتفق العلماء على ان البساطة وعدم التركيب من اجزاء هي صفة من لوازم واجب الوجود " وهو الله سبحانه " وواجب الوجود منزه عن كل احتياج فاذا قلنا بانه تعالى مركب فقد اصبح ذا جسم فيكون محدودا واذا كان محدودا يصبح بالامكان ان يحده زمان معين ومكان معين فيصبح علمه واحاطته بالاشياء والامور محدودة . وهذا باطل بالادلة العقلية والنقلية .
2- يثبت بطلان التجسيم والتركيب لله تعالى بالادلة التي يمكن تقسيمها الى قسمين ا والى مستويين هما :-
1- المستوى الاول :- الادلة العقلية :-
اضافة لما قلناه سابقا في النقطة الاولى ينتج لدينا ان التركيب من الاجزاء هو من خواص الاجسام فيثبت من ذلك ان كل موجود جسماني لايمكن ان يكون واجب الوجود – أي – يثبت بذلك تجرد الله سبحانه وعدم جسمانيته . ويتضح من ذلك ايضا بانه تعالى غير قابل للرؤية بالعين وغير قابل للادراك باية حاسة اخرى وذلك لان المحسوسية هي من خواص الاجسام والجسمانيات .
2- المستوى الثاني : الادلة النقلية :-
وهي على قسمين هما :- 1- القران الكريم . 2 – السنة النبوية المطهرة
اما من جهة القران الكريم فهناك ايات كثيرة وحتى سورة كاملة . وتجنبا للاطالة نختصر الى بعض منها مع شئ من التعليق والتوضيح حسب الحاجة اذا استوجبت ذلك وهي : -
1- سورة الاخلاص : حيث سئل الامام علي بن الحسين عليه السلام عن التوحيد ؟ فقال عليه السلام : " ان الله عز وجل علم ان يكون في اخر الزمان اقوام متعمقون فانزل الله تعالى – قل هو الله احد " .
2- سورة الشورى / 11 : " ليس كمئله شئ " .
3- سورة فصلت / 53 : " اولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد " . – اذن فكيف يكون مركبا مجسما وهو شاهد ؟
واما من جهة السنة النبوية المطهرة فهناك ايضا ادلة كثيرة نذكر قسما منها :-
1- قال الامام علي عليه السلام في دعاء الصباح : " يامن دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته " .
2- وقال عليه السلام : " اول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه وتعالى فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد جهله ومن جهله فقد اشار اليه ومن اشار اليه فقد حده ومن حده فقد عده ... الخ " – نهج البلاغة ج 1 ص 73 محمد عبده - .
3- في عيون اخبار الرضا عليه السلام بسند طويل قال الامام الرضا عليه السلام في قوله تعالى : " وجوه يومئذ ناظرة الى ربها ناظرة – يعني مشرقة ينتظر ثواب ربها " . وورد ايضا في معنى قوله تعالى : " ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم " – فهذا اشارة الى قدرته تعالىبانها فوق كل قدرة وليس معناه ان له يدا لانه يتناقض مع ماقدمناه انفا . وعلى غرار هذا المعنى جاءت هذه الفقرة في المناجاة الشعبانية فتامل جيدا
سؤال :-
وهذا السؤال دائما مايطرح ويعتبره البعض حجة علينا وهو : - ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : " ان الله عز وجل خلق ادم على صورته " – وهذا الحديث هو على العكس تماما مع مابرهنتم عليه في هذا البحث فما هو جوابكم عليه ؟ -
الجواب :-
هذا السؤال ليس بجديد وجوابه ليس بجديد ايضا . حيث ورد في كتاب – الاربعون حديثا – للسيد الخميني قده الشريف – بانه روي عن الحسين بن خالد قال : " قلت للرضا عليه السلام : ياابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ان الناس يروون ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : ان الله خلق ادم على صورته ؟ فقال عليه السلام : قاتلهم الله لقد حذفوا اول الحديث ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مر برجلين يتسابان فسمع احدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك . فقال صلى الله عليه واله وسلم له : ياعبد الله لاتقل هذا لاخيك فان الله عز وجل خلق ادم على صورته " – أي – ان المعنى : " ان الله تعالى خلق ادم على صورة هذا الرجل فكيف يقول قبح الله وجهك ووجه من يشبهك " .
الفقرة السابعة تاتي ان بقيت الحياة والحمد لله رب العالمين .
الشيخ
جواد الخفاجي