لماذا يخفي شيعة المغرب تشيعهم؟
على خلفية ما يتمتع به الآخرون من حرية في التأطير والتنظيم ..
من حق الشيعة المغاربة أن يأتلفوا في تنظيم خاص بهم
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عبر الصحف والمجالس المختلفة عن الشيعة والتشيع بالمغرب, وظهر أشخاص يعلنون تشيعهم بصراحة, وبعضهم اقترب من هذه الصراحة أو وقف ببابها, وبعضهم أدلى بتصريحات متناقضة , والبعض الآخر مازال مترددا بل خائفا يترقب…
الواقع يؤكد أن جذور التشيع بالمغرب لم تنقطع .خاصة وأن المغرب في الأصل ومنذ مجئ المولى إدريس الأول إليه كان بلدا شيعيا بامتياز ..خاصة وقد امتزجت فكرة التشييع بالعديد من التقاليد والأحكام الأمازيغية التي كانت سائدة في البلد قبل مجيء الإسلام , وبالرغم من اختفاء مظاهر التشيع بهذا البلد بحكم التقلبات السياسية والاجتماعية وتغير الأنظمة الحاكمة وانقراض بعضها, فإن العديد من المغاربة ظلوا يتلمسون الطريق إلى مذهبهم الأصلي الذين يدين بالولاء لآل البيت الطاهر عليهم السلام.
الأنظمة المتعاقبة على حكم المغرب من مرابطين وموحدين وحتى العلويين حاولت دائما التمسك بالخيط الذي يربطها بالرعية ..وهو الانتساب إلى سلالة أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام, وذلك بالرغم من أن بعض هذه الأنظمة تتمسك في المقابل دائما بالانتساب إلى أهل السنة والجماعة واقتناعها (الأنظمة) المعلن بشرعية كافة الخلفاء الراشدين بمن فيهم معاوية بن أبي سفيان الذي يعتبر في نظر الشيعة غير مؤهل لحمل راية الإسلام وذلك لما عرف عنه من عداء واضح وصريح للإمام علي عليه السلام الذي انتزع من إبنه الحسن عليه الخلافة بالسيف والغدر , وتلك قصة أخرى..
الشيعة على مر العصور كانوا روادا في تحمل الأذى والصبر عليه, بدءا من عهد الأمويين ومرورا بعصر العباسيين، كانوا دوما مثالا للصابرين المحتسبين أجرهم عند الله .فقاوموا الطغيان والطغاة.. وانحازوا دوما للمغلوبين والمستضعفين.
على كل حال ليس الهدف من هذا المقال تسليط الضوء على محنة الشيعة وما تعرضوا له على مر التاريخ من تنكيل وتسفيه إلى غير ذلك , ولكن الكلام يأتي بعضه ببعض على حد قول العرب .
الهدف الأساسي من هذا الموضوع هو: لماذا يخفي الشيعة شيعهم؟
الواقع هناك أسباب مختلفة ومتعددة لعل في مقدمتها هو الخوف نفسه, لقد كان الخوف دائما مصدر إزعاج وقلق شديدين لكل فكرة ولحاملها ..مهما كانت هذه الفكرة لكن ألم يحن الوقت ليتمتع كافة الأفراد والجماعات بالحرية, وتبقى الساحة وحدها هي الحكم الوحيد والأوحد على كافة الأفكار..
إننا حاليا في المغرب نتمتع بقدر وفير مما يشبه الحرية .وعلى الأقل نحن أحرار على ما نعتقد في المأكل والملبس والعمل وكافة مظاهر الحياة الأخرى , في موضوع اللباس وحده هناك حرية تامة .فالبعض يلبس الجلباب ويرتدي الطاقية والبعض الآخر يلبس ما يحلو له من بدلات وربطات عنق إلخ.. وعلى صعيد الجنس الآخر هناك من يرتدي الزي الإسلامي الخالص أو ما يسمى بالحجاب و حتى النقاب وهناك من تكتفي بستر ربع جسدها .والكل من النساء والرجال يغدون ويرحون دون مشاكل فهذه حرية..
على صعيد الإيمان والاعتقاد ..هناك من يذهب إلى المسجد ,وهناك من يرتاد العلب الليلية والخمارات نهارا جهارا, والدولة تبني المساجد وتؤمن رواتب العديد من خطبائها وأئمتها .وبالمقابل ترخص الدولة للخمارات والفنادق الليلية وعلبها المظلمة وتوفر لها شرطة الحراسة .وهذه حرية أيضا..
وعلى صعيد الفكر ..يتواجد في بلدنا علمانيون ولا دينيون وماركسيون وشيوعيون ومؤمنون بطبيعة الحال, وهناك المسلمون والنصارى واليهود ,وهناك أيضا فرق أمازيغية مختلفة ،البعض منها يدعو إلى عبادة الآلهة الأمازيغية القديمة ..وهذه حرية كذلك ..
وعلى صعيد الإسلام نفسه هناك جماعات وفرق متعددة..هناك السلفيون وهناك الوهابيون ولدينا المكفرون وعندنا المعتدلون إلخ..
هناك أحزاب ومنظمات وجمعيات تمارس نشاطها التربوي والدعوى انطلاقا من خلفيتها العقدية وإيديولوجيتها الخاصة ..فلماذا لا يتمتع الشيعة المغاربة بهذه الحقوق على الأقل؟
إن الشيعة المغاربة ليسوا أقل وطنية من غيرهم وبالتالي من حق هذه المواطنة أن تمنحهم حريتهم , ولا شك أنهم سيساهمون في إثراء النقاش الفكري والسياسي الذي تحتاجه بلادنا اليوم, خاصة وقد عُرفَ الشيعة دائما بالتناظر والمبارزة الكلامية وقد شهد لهم التاريخ أبدا بالتفوق في هذا المجال مجال المناظرات الفكرية.
هذا المقال يعتبر مفتاحا لسلسة من المقالات الهادفة إلى بلورة رؤية واضحة عن الفكر الشيعي المتنور , كما يهدف هذا المقال الافتتاحي إلى فتح نقاش جدي بين معتنقي المذهب من جهة فيما بينهم أولا وبين باقي المكونات الفكرية الأخرى من جهة ثانية.
جريدة الوطن العدد 36 1-15 ماي 2003