(( بسم الله الرحمن الرحيم))
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
قال تعالى: { ... إنما يخشى الله من عباده العلماء ... } [فاطر/28] صدق الله العلي العظيم.
ذكرى عظيمة وتعلّق بصاحبها العظيم
نعيش الذكرى العشرين لرحيل إمام الأمة الإمام الخميني رضوان الله عليه، الذكرى العشرين بالنسبة للسنة الشمسية، وإلا بالنسبة للسنة القمرية فنحن نعيش الآن ذكراه الواحدة والعشرين فقد أتممنا السنة العشرين في شهر شوال الماضي وفي شهر شوال القادم سندخل السنة الثانية والعشرين، وما أقصر هذه الأيام وتلك الليالي حقيقة.
قدّم الإسلام بصورة غير الصورة المعهودة
ما الذي يربطنا بالإمام رضوان الله عليه؟!
لماذا مضت اثنتان وعشرون سنة والناس لا تزال متعلقة بالإمام الخميني رضوان الله عليه؟!
الإنسان بعد سنة أو سنتين من وفاة أبيه فإنه ينساه وينتهي حينئذٍ، لماذا الإمام الخميني لا يزال حياً في النفوس؟! لا يزال حياً في القلوب؟! لا يزال حياً في العواطف؟!
الإمام رضوان الله عليه إذا اردنا أن نعرف لماذا لا يزال فينا، لنستعرض حياته وماهي الأمور التي أرساها فينا، لا شك أن أيّ ناظر لهذا العصر ستجتذبه حالة الصحوة وحينما يُسأل من كان وراء هذه الصحوة؟! فإنّ الأيدي والأكف والقلوب تشرئب إلى تماثيل وصور الإمام الخميني رضوان الله عليه، لا يستطيع أحد أن يدعي خلاف ذلك، الإمام الخميني هو رائد الصحوة الحديثة، الإمام الخميني أخرج المتدينين من حالة إلى حالة، وليس فقط المتدينين، بل جذب غير المتدينين أيضاً، من كان يعيش نفرة من الدين، من كان ينظر إلى الدين نظرة تخلف والدين يعتبره أفيون ويعتبره علاقة بين العبد وبين ربه فقط، هذا لم يكد يسمع باسم الإمام رضوان الله عليه إلا وهجر كل تلك الأفكار وأقبل على شخصية الإمام الخميني رضوان الله عليه التي أعطته للدين أبعاداً أخرى غير الأبعاد التي كان هذا الشخص يعتقد بها، الإمام الخميني أعطى لرجل الدين نموذجاً، بمعنى أنه أعطى للإسلام صورة غير الصورة التي فهمها الناس وأعطى لرجل الدين صورة غير الصورة التي كان يعرفها الناس، أعطاه هذه الصورة باعتباره عالماً لا باعتباره سياسياً، وهناك فرق بين الأمرين، فهو رجل دين ينظر إلى الأمور بمنظار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة، وبمنظار مصالح المسلمين والمعرفة بشؤون المسلمين تارة أخرى، وثالثاً ينظر إلى الأمور بمنظار: (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)، من هذه المنطلقات الثلاث تحرك الإمام باعتباره عالماً، وهناك فرق بين الأمرين، لذلك لا أريد أن يكون هناك خلط، فالإمام انطلق من هذه المنطلقات بخلاف بعض الساسة الذين يجدون في أنفسهم تعباً ونصباً حينما يريد أحدهم أن يُخاطب الناس، فيقول الناس منجذبة للناس وللعمامة، فحينئذٍ ماذا سأفعل؟ سألبس عمة وأصبح رجل دين لأسوّق أفكاري، وهذه هي المشكلة في عصرنا الحاضر، أن سياسياً يلبس العمامة علمانياً يلبس العمامة هو غير مؤمن بالدين وغير مؤمن بسياسة الدين، لكنه يلبس العمامة لتسويق أفكاره، الإمام لم يكن إلا عالم دين ورجل دين مستقيم، يريد أن يطبق مفاهيم الدين على سلوكياته وسلوكيات الآخرين، فرق بين الاتجاهين.
ببعض العمائم يمكن تسويق الأفكار
هناك اتجاه يلوي عنق الدين، أوليس أحد المعممين وقف وقال: ( نريدها حكومة علمانية ) عجيب! إذا كنت تريدها حكومة علمانية وأنت رجل دين، وحامي دين، فلماذا إذن ترتدي العمامة؟! لماذا تكذب على الناس؟! انزع هذه العمامة لأنك لا تؤمن بالدين، إلا كنمط شخصي، والنمط الشخصي يجعلك كرجال الكهنوت الذين لا يتلوّثون بالسياسة، وأنت نفترض فيك أن تكون رجلاً كهنوتياً، إذن أحياناً العمائم كما يقول الإمام الخميني في بعض خطبه: بعض العمائم تريد أن تسوق فكراً معيناً، لذا دعونا ننتبه لها، وفرق بين أن الدين يأمرني، فلسفة الدين هذه، طريقة الدين هذه، مفاهيم الدين هذه، وبين أنني ألوي عنق الحقائق الدينية لتخدمني أنا، لتكون مطية لي باعتباري رجل دين، ولأن الناس لا يقبلون من أي شخص فأنا أضع العمامة لأقول لهم الفكر بهذه الكيفية فيعتقدون بأنني عن الدين أنطق وربما آتي بمجموعة من الأدلة، ربما أنطق بمجموعة من الآيات، { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم } [الأنفال/61] ) جيء بهذه الآية في زيارة لخصوم الله عز وجل، شخص يزور اليهود ويتعامل معهم فيأتي لك بدليل قرآني، أنه إذا جنحوا للسلم فاجنح لها، أليس هذا المراد؟!
وفي شريح القاضي ما يُدلل على ذلك، فقد قال في حق الإمام الحسين (ع): ( الحسين خرج عن حدّه فقُتِل بسيف جدّه )، الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه الذي يقول عنه جده (ص): " أحب الله من أحب حسيناً"، وقال: " حسين مني وأنا من حسين " ويقول عنه وعن أخيه الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليهما: " الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا "، ثم يأتي هذا الشخص ليقول عن ريحانة رسول الله (ص): ( الحسين خرج عن حدّه، فقُتِل بسيف جدّه )؟! والذي يُقتل بسيف رسول الله هل يُبكى عليه؟! قطعاً لا يُبكى عليه، ولاحظ العبارة المستخدمة هنا، أن الإمام خارج عن الدين في قوله: ( خرج عن حده ) فأراد أن يغير في دين جده فقتل بسيف جده، هذه تحصل حينما يتستّر رجل السياسة بالعمامة.
الإمام الخميني رضوان الله عليه لم يكن من هذا النمط من الرجال بل كان رجل دين وعالم دين أراد أن يطبق الدين، لذا حصل على دعم مراجع الدين وعلماء المسلمين قاطبة، لم يشذ منهم أحد، من تابع نهضة الإمام الخميني رضوان الله عليه، نجد أن كبار العلماء آنذاك من هم؟! كبار المراجع: السيد الميلاني، السيد الحكيم، السيد المرعشي النجفي، السيد القلبيقاني، السيد الشاهرودي، وكلهم بادروا إلى إصدار البيانات وإرسال الرسائل إلى الشاه، يطلبون منه إطلاق صراح الإمام الخميني رضوان الله عليه حتى قال السيد محمد هادي الميلاني رضوان الله عليه: ( إن مطلب الخميني هذا هو مطلب كل العلماء ) فالإمام الخميني لم يأتِ بشيء جديد حينئذٍ، الفرق بين الإمام الخميني (رض) وبينهم كما يقول السيد هادي الميلاني (رض) أيضاً: ( أن المرجعية والاجتهاد يمكن الحصول عليهما بسهولة ويمكن أن يتوفر في الكثيرين، ولكن قيادة الأمة قليل من يتمتع بها، والخميني يحوز الأمرين معاً )، هذا كلام السيد محمد هادي الميلاني الذي يعتبر من أكابر مراجع الطائفة في زمانه.
إذن الإمام الخميني (رض) لم يكن سياسياً ويجعل من الدين مطية، كان عالماً أراد أن تُطبق المفاهيم الدينية وأراد أن يُطبق الإسلام، هذا هو الفرق بينه وبين غيره.