فاجعة استشهاد الامام جعقر الصادق (ع) .
بقلم |مجاهد منعثر منشد الخفاجي
قال تعالى :ـ إتقوا الله وكونوا مع الصادقين ...
صدق الله العلي العظيم .1
كالشمس يكشفها الضياء وإن غدت * خلف السحائب مرة تتـستر
واذا اردت تيمـــنا بــبيانـه * فهو الإمام أبو الأئمة جعفر
بعلومه تحيى القـلوب وذكــره * بأريجه لسن الثنا تـتعـطر
نسب كأن عليه من شمس الضحى * نوراً ومن فلق الصباح عموداً
ما فيه الا سـيد مــن ســيـد * حاز المكارم والتقى والجـودا
اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد الصّادِقِ ، خازِنِ الْعِلْمِ ، الدّاعي اِلَيْكَ بِالْحَقِّ ، النُّورِ الْمُبينِ ، اَللّـهُمَّ وَ كَما جَعَلْتَهُ مَعْدِنَ كَلامِكَ وَ وَحْيِكَ وَ خازِنَ عِلْمِكَ وَ لِسانَ تَوْحيدِكَ ، وَ وَلِيَّ اَمْرِكَ وَ مُسْتَحْفِظَ دينِكَ ، فَصَلِّ عَلَيْهِ اَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى اَحَد مِنْ اَصْفِيائِكَ وَ حُجَجِكَ اِنَّكَ حَميدٌ مَجيد2. .
جاء في الروايات أنّ رسول الله (ص) قال لاهل بيته (ع) :
« إنّا أهلُ بيت اختارَ اللهُ لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ أهلَ بيتي سَيَلْقَوْنَ بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً ، حتّى يأتيَ قومٌ مِن قِبَل المشرِقِ معهُم راياتٌ سـود ، فيسألونَ الخيرَ فلا يُعْطَوْنَهُ ، فَيُقاتِلونَ فَيُنصَرونَ فَيُعْطَوْنَ ما سألوا فلا يَقْبَلُونَهُ ، حتّى يدفعوها إلى رَجُل مِن أهلِ بَيتي فيملأها قِسطاً كما ملأوها جوراً ، فمَن أدركَ ذلك منكم فَلْيَأتِهِم ولو حَبْواً على الثّلج »
ففي الخامس والعشرون من شهر شوال سنة 148 هـ كانت شهادة الامام الصادق (عليه السلام) كما ان ولادته كانت في السابع عشر3 من شهر ربيع الاول سنة 83 هـ على المشهور في تاريخ ولادته وشهادته فيكون عمره الشريف يوم شهادته 65 سنة .
إنه الصادق عليه السلام، هكذا سماه جده النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم )4.
هو جعفر بن محمد الباقر عليه السلام وأم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الملقبة بالمكرمة، عاصر (عليه السلام) من ملوك بني أمية كما عاش أفول وانحطاط الدولة الأموية الباغية ولقي الظلم والمكر من السفاح وجعفر المنصور اللذين لم يسترحا حتى قضيا على الإمام (عليه السلام )بالسم في الخامس والعشرين من شوال سنة 148 هجرية .
قال مالك بن أنس: ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا .. ) 5.
وقال اليعقوبي في تاريخه عنه (عليه السلام ) :ـ كان أفضل الناس وأعلمهم بدين الله وكان أهل العلم الذين سمعوا منه إذا رووا عنه قالوا: أخبرنا العالم. 6.
وقال الامام الصادق (عليه السلام ) :ـ حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (ص)، وحديث رسول الله (ص) قول الله تعالى .. 7.
وقال كذلك (عليه السلام ) في كلمة ورسالة يقول فيها مخاطبا أصحابه والخطاب لكل مسلم في التو عرف الإمام :ـ أحسنوا النظر في ما لا يسعكم جهله، وانصحوا أنفسكم وجاهدوها في طلب معرفة ما لا عذر لكم في جهله، فإن لدين الله أركانا لا ينفع من جهلها شدة اجتهاده في طلب ظاهر عبادته، ولا يضر من عرفها فدان بها حسن اقتصاده،ولا سبيل لحد إلى ذلك إلا بعون من الله عزوجل 8.
وقال الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام ) لأحد أصحابه حمران بن أعين: إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون 9..
ولد الامام الصّادق (عليه السلام ) في عهد عبد الملك بن مروان بن الحكم ثمّ عايش الوليد بن عبد الملك ، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز،ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، والوليد بن زيد، ويزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد، ومروان الحمار ، حتّى سقوط الحكم الاموي (سنة 132 هـ ) ، ثمّ آلت الخلافة إلى بني العباس ، فعاصر من خلفائهم أبا العباس السفّاح ، وشطراً من خلافة أبي جعفر المنصور تقدّر بعشر سنوات تقريباً ، وعاصر الامام الصّادق (عليه السلام ) كل هذه الأدوار وشاهد بنفسه محنة آل البيت (ع) وآلام الاُمّة وآهاتها وشكواها وتململها.. وكان عميد آل البيت (ع) ومحطّ أنظار المسلمين.. لذا فقد كان تحت الرقابة الامويّة والعباسيّة وملاحقة جواسيس الحكّام ، يحصون عليه حركاته واتصالاته ،
فقد عاصر الإمام الصادق (عليه السّلام )الدولتين في هذه المدة الطويلة: « مع جده وأبيه اثنتي عشرة سنة، ومع أبيه بعد جده تسع عشرة سنة وبعد أبيه أيام إمامته أربعاً وثلاثين سنة، وكان في أيام إمامته بقية ملك هشام بن عبدالملك، وملك الوليد بن يزيد بن عبدالملك، وملك يزيد بن الوليد الناقص، وملك إبراهيم بن الوليد وملك مروان بن محمد الحمار، ثم صارت المسوّدة ( لاتّخاذهم شعار السواد ) مع أبي مسلم سنة اثنتين وثلاثين ومئة فملك أبو العباس الملقب بالسفاح، ثم ملك أخوه أبو جعفر الملقب بالمنصور، واستشهد الصادق بعد عشر سنين من ملكه10...
ولقد تفاقم الأمر في السنوات الأخيرة للحكم الأموي وبالتحديد بعد وفاة هشام بن عبدالملك واستيلاء الوليد على الخلافة ثم مقتله، وما حدث من فتن واضطرابات واهتزاز لأركان الحكم الأموي وبالتحديد بعد موت هشام بن عبدالملك واستيلاء الوليد على الخلافة واهتزاز أركان الحكم الأموي وحبل بني مروان حتّى حُكْم آخر ملوكهم « مروان الحمار » وانتصار الحركة العباسية عليهم في خراسان والعراق 11.\ ه .
وفي خضم انتفاضات العلويين والزيديين والقرامطة والزنج وسواهم من طالبي السلطة .. الى جانب ذلك ظهرت الزنادقة والملاحدة في مكّة والمدينة، وانتشرت فرق الصوفية في البلاد، وتوزّع الناس بين أشاعرة ومعتزلة وقدرية وجبرية وخوارج...
ركّز الإمام (عليه السلام ) في حركته على تمتين وتقوية الأصول والجذور الفكرية والعلمية مع أخذ دوره الرسالي كمعصوم من ال بيت النبوّة.
وقد تسرّبت التفسيرات والتأويلات المنحرفة إلى علوم القران الكريم وطالت مباحث التوحيد والصفات والنبوة وحقيقة الوحي والقضاء والقدر والجبر والاختيار.. ولم تسلم السنة النبوية بدورها من التحريف ووضع الأحاديث المكذوبة والمنسوبة إلى نبي الإسلام .. وكان الامام الصّادق (ع) منصرفاً عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء المقاومة بناءً علميّاً وفكريّاً وسلوكيّاً يحمل روح الثورة، ويتضمّن بذورها ، لتنمو بعيدة عن الانظار وتولد قويّة راسخة .
وبهذه الطريقـة راح يربِّي العلماء والدُّعاة وجماهير الاُمّة على مقاطعة الحكّام الظّلمة ، ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي ، والتفقّه في أحكام الشريعة ومفاهيمها ، ويثبِّت لهم المعالم والاُسس الشرعية الواضحة ، كقوله (عليه السلام) :
« مَن عَذَرَ ظالِماً ، بظلمهِ سَلّطَ اللهُ عليهِ مَن يظلِمُهُ ، فإنْ دعا لم يُستَجَبْ لهُ ولم يأجُرْهُ اللهُ على ظُلامَتِه »و العامِل بالظّلمِ والمُعينُ له والرّاضي به شُركاءُ ثلاثتهم) .فاستطاع أن يعطي الفكر الشيعي زخماً خوّله الصمود أمام التيارات الفكرية المختلفة وسمح له بالبقاء الى يومنا هذا، ولذلك يسمى المذهب الشيعي الفقهي بالمذهب الجعفري.
فعانى العلويون أشدّ المعاناة كما عانى غيرهم من ظلم بني العباس وجورهم واستبدادهم ، حتّى أنّ خليفتهم الاوّل (أبا العباس) سُمِّي بالسفّاح لكثرة ما أراق من الدماء ، فاشتدّت المحنة على الامام الصّادق (عليه السلام) وضيّق عليه .
ولذلك نجد أبا العباس السفاح يستدعي الامام الصّادق (عليه السلام) إلى الحيرة ، ويضيِّق عليه ، خوفاً من منافسته وشموخ زعامته ، ثمّ يَحُول الله بينه وبين الامام (عليه السلام) فيعود إلى المدينة ، ليمارس مهمّاته العلمية والتوجيهية هناك .
وحينما تولّى أبو جعفر المنصور الخلافةَ ازدادت مخاوِفُهُ مِن الامام الصّادق(عليه السلام)،واشتدّ حسدُهُ، لتفوّق شخصية الامام(عليه السلام)،وعلوّ منزلته في النفـوس،وذيوع اسمه في الآفاق،وشموخ مكانته العلمية،حتّى غطّت شخصيّته كل الشخصيات العلمية والسياسية في عصره ، لذلك عمد أبو جعفر المنصور إلى استدعاء الامام الصّادق (عليه السلام) وجلبه من المدينة إلى العراق مرّات ، ليحقِّق معه ويتأكّد من عدم قيادته لحركات سرّية ضدّ الحكم العباسي ، لان أبا جعفر المنصور كان يعرف اتّجاه الاُمّة وميلها للامام الصّادق (عليه السلام) ، ويعرف أهليته وقوّة شخصيته ، بالاضافة إلى ذلك فهو يشاهد العلويين يتحرّكون لانهاء التسلّط العباسي ، وإعادة القيادة لآل البيت النبويّ .
وقد كتب أبو جعفر المنصور إلى الامام الصّادق (عليه السلام) كتاباً يطلب فيه قُربَ الصّادق، ومصاحبته ، وممّا جاء في الكتاب :
« لِمَ لا تغشانا كما يغشانا الناس ؟ فكتب إليه الصّادق (عليه السلام) : ( ليس لنا ما نخافُكَ مِن أجلهِ ، ولا عندَكَ مِن أمرِ الآخرة ما نرجوكَ له ، ولا أنتَ في نعمة فنهنِّئك ، ولا نراها نقمة فنعزِّيك ) . فكتبَ إليه المنصور : تصحبُنا لِتنصَحَنا . فأجابه الصّادق (عليه السلام) : ( مَن أرادَ الدُّنيا لا ينصحُكَ ، ومَن أرادَ الآخرة لا يصحبُك ) وكان أبو جعفر المنصـور يزداد غيظاً على الامام الصّـادق (عليه السلام) ويخشى مركزه وموقفه ، إلى درجة أصبح المنصور معها حائراً عاجزاً عن تحديد موقف من الامام الصّادق (عليه السلام) حتّى قال فيه :
« هذا الشّجن المُعتَرِضُ في حُلوقِ الخلفاءِ الّذي لا يجوزُ نفيُهُ ، ولا يحلُّ قتلُهُ ، ولولا ما تجمعني وإيّاه من شجرة طاب أصلُها وبَسَقَ فرعُها وعذُبَ ثمرُها وبورِكَت في الذرّية ، وقُدِّست في الزُّبر ، لكان منِّي ما لا يُحمدُ في العواقبِ ، لِمَا بلغني من شدّة عيبِهِ لنا ، وسوءِ القول فينا »
ومن مواقف الامام جعفر الصادق (عليه السلام) حكمة بسيطة واجه بها المنصور العباسي عندما تسلّط عليه الذباب بشكل متكرر فتضايق المنصور وسأل الصادق: لأي شيء خلق الله الذباب ؟ فكانت وبشكل غير مباشر كلمة حق في وجه سلطان جائر: « ليذلّ به الجبّارين 12..
وموقفه (عليه السلام ) من والي المنصور على المدينة شيبة بن غفال الذي مدح الحاكم العباسي وأهل بيته وشتم علياً وأهل بيته عليهم السّلام من على منبر مسجد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فكان مما قاله الصادق عليه السّلام: « أمّا ما قلت من خير فنحن أهله، وما قلت من سوء فأنت وصاحبك ( المنصور ) به أَولى، فاختبرْ يا من ركب غير راحلته وأكل غير زاده، ارجع مأزوراً13. وكما ذكرنا كان مما يُعلّم به الصادق (عليه السّلام )أصحابه رفض الارتباط بالسلطان الظالم بأي نوع من أنواع الارتباط، ولم يَرِد عن الصادق (عليه السّلام )حضوره عند حاكم إلا عندما كان يستدعيه هؤلاء بالقوة إلى قصورهم، كما فعل به السفّاح والمنصور حين استقدماه مرات عديدة من المدينة إلى العراق. وكان مما يقول لأصحابه: « إن أعوان الظَلَمة يوم القيامة في سرادق من نار حتّى يحكم الله بين العباد14.. ولقد توعد الله تعالى الظالمين بقوله تعالى :ـ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ..و إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ..و إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ..و وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ..
ومن انتصارات عهد الإمام الصادق (عليه السلام ) .في نهاية القرن الأول للهجرة أصبح إحياء عاشوراء أمراً مألوفاً عند أتباع أهل البيت؛ ولذلك نجد الإمام الصادق (عليه السلام ) يسأل فضيل بن يسار: «يا فضيل أتجلسون وتحدثون؟ »قال: نعم، قال(عليه السلام ):« إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا»..
استشهاده (عليه السلام ) :ـ
روى الفضل بن الربيع عن أبيه ، فقال : دعاني المنصور ، فقال : إن جعفر بن محمد يلحد في سلطاني ، قتلني الله إن لم أقتله . فأتيته ، فقلت : أجب أمير المؤمنين . فتطهّر ولبس ثياباً جدداً . فأقبلت به ، فاستأذنت له فقال : أدخله ، قتلني الله إن لم أقتله . فلما نظر إليه مقبلا ، قام من مجلسه فتلقّاه وقال : مرحباً بالتقيّ الساحة البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمي . فأقعده على سريره ، وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال :